للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثَلَاثِمِائَةٍ وَبِضْعٍ وَخَمْسِينَ سَنَةٍ. وَقَدْ جَاءَتْ خِلَافَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ. وَظَهَرَ فِي أَثْنَائِهَا مِنْ الْمَشَاهِدِ بِالْعِرَاقِ وَغَيْرِ الْعِرَاقِ مَا كَانَ كَثِيرٌ مِنْهَا كَذِبًا. وَكَانُوا عِنْدَ مَقْتَلِ الْحُسَيْنِ - رضي الله عنه - بِكَرْبَلَاءَ قَدْ بَنَوْا هُنَاكَ مَشْهَدًا. وَكَانَ يَنْتَابُهُ أُمَرَاءُ عُظَمَاءُ حَتَّى أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ الْأَئِمَّةُ.

* دَعْ خِلَافَةَ بَنِي الْعَبَّاسِ فِي أَوَائِلِهَا وَفِي حَالِ اسْتِقَامَتِهَا فَإِنَّهُمْ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُونُوا يُعَظِّمُونَ الْمَشَاهِدَ سَوَاءٌ مِنْهَا مَا كَانَ صِدْقًا أَوْ كَذِبًا كَمَا حَدَثَ فِيمَا بَعْدُ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ كَانَ حِينَئِذٍ مَا يَزَالُ فِي قُوَّتِهِ وَعُنْفُوَانِهِ. وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ: لَا فِي الْحِجَازِ وَلَا الْيَمَنِ وَلَا الشَّامِ وَلَا الْعِرَاقِ وَلَا مِصْرَ وَلَا خُرَاسَانَ وَلَا الْمَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أُحْدِثَ مَشْهَدٌ لَا عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلَا صَاحِبٍ وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَلَا صَالِحٍ أَصْلًا؛ بَلْ عَامَّةُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَانَ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا حِينَ ضَعُفَتْ خِلَافَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَتَفَرَّقَتْ الْأُمَّةُ وَكَثُرَ فِيهِمْ الزَّنَادِقَةُ الْمُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفَشَتْ فِيهِمْ كَلِمَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَذَلِكَ مِنْ دَوْلَةِ الْمُقْتَدِرِ فِي أَوَاخِرَ الْمِائَةِ الثَّالِثَةِ.

فَإِنَّهُ إذْ ذَاكَ ظَهَرَتْ الْقَرَامِطَةُ العبيدية القداحية بِأَرْضِ الْمَغْرِبِ. ثُمَّ جَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَرْضِ مِصْرَ. وَيُقَالُ: إنَّهُ حَدَثَ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ: الْمُكُوسُ فِي الْإِسْلَامِ. وَقَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ظَهَرَ بَنُو بويه. وَكَانَ فِي كَثِيرٍ مِنْهُمْ زَنْدَقَةٌ وَبِدَعٌ قَوِيَّةٌ.

وَفِي دَوْلَتِهِمْ قَوِيَ بَنُو عُبَيْدٍ الْقَدَّاحِ بِأَرْضِ مِصْرَ (١) وَفِي دَوْلَتِهِمْ أُظْهِرَ الْمَشْهَدُ الْمَنْسُوبُ إلَى عَلِيٍّ - رضي الله عنه - بِنَاحِيَةِ النَّجَفِ، وَإِلَّا فَقَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ: إنَّ قَبْرَ عَلِيٍّ هُنَاكَ وَإِنَّمَا دُفِنَ عَلِيٌّ - رضي الله عنه - بِقَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ.

فَإِذَا كَانَ بَنُو بويه وَبَنُو عُبَيْدٍ ـ مَعَ مَا كَانَ فِي الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ الْغُلُوِّ فِي التَّشَيُّعِ. حَتَّى إنَّهُمْ كَانُوا يُظْهِرُونَ فِي دَوْلَتِهِمْ بِبَغْدَادَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِثْلُهُ: مِثْلُ تَعْلِيقِ الْمُسُوحِ عَلَى الْأَبْوَابِ وَإِخْرَاجِ النَّوَائِحِ بِالْأَسْوَاقِ وَكَانَ الْأَمْرُ يُفْضِي فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ إلَى قِتَالٍ تَعْجِزُ الْمُلُوكُ عَنْ دَفْعِهِ. وَبِسَبَبِ ذَلِكَ خَرَجَ الخرقي ـ صَاحِبُ (الْمُخْتَصَرِ


(١) أي الدولة الفاطمية.

<<  <   >  >>