للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قصّه على رسوله محمد - صلى الله عليه وآله وسلم - ومما لم يكن عن الرسول قبل بعثته وقبل نزول هذا الوحي أو في علم منه.

بل إن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عندما جاءه جبريل بالوحي ظنه شيطانًا وجاء أهله ترتعد فرائصه، وهو يقول: زملوني، وقال لزوجته خديجة - رضي الله عنها -: «لقد خشيت على نفسي». (متفق عليه)، فلو كان جبريل مخلوقًا من نور الرسول ـ كما زعمت المتصوفة ـ لقال الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - لجبريل عندما نزل إليه: أهلًا بمن خلقه الله من نوري.

قال الله - عز وجل -: «وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا * وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا * وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا * قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا}

معنى الآيات:

قال تعالى مخبرًا عن قيلهم لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم يجادلون في نبوته: فقالوا: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} أي لن نتابعك على ما تدعو إليه من التوحيد والنبوة لك والبعث والجزاء لنا {حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا} أي عينًا يجري ماؤها على وجه الأرض لا ينقطع {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ} أي بستان من نخيل وعنب، {فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا} أي خلال الأشجار تفجيرًا، {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا} أي قطعًا، {أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا} أي مقابلة نراهم معاينة، {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ} أي من ذهب تسكنه بيننا {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ} أي تصعد بسلم ذي درج في السماء، {وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} إن أنت رقيت {حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا} من عند الله {نَقْرَؤُهُ} يأمرنا فيه بالإيمان بك واتباعك!

هذه ست طلبات كل واحدة اعتبروها آية متى شاهدوها زعموا أنهم يؤمنون، والله يعلم أنهم لا يؤمنون، فلذا لم يستجب لهم، وقال لرسوله: قل يا محمد لهم: {سُبْحَانَ رَبِّي} متعجبًا من طلباتهم {هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا}؟! أي هل كنت غير بشر رسول؟ وإلا كيف يطلب مني هذا الذي طلبوا، إن ما تطلبونه لا يقدر عليه عبد مأمور مثلي، وإنما يقدر عليه رب عظيم قادر، يقول للشيء كن ... فيكون! وأنا ما ادعيت ربوبية، وإنما أصرح دائمًا بأني عبدالله ورسوله إليكم لأبلغكم رسالته بأن تعبدوه وحده ولا تشركوا به سواه وتؤمنوا بالبعث الآخر وتعلموا به بالطاعات وترك المعاصي. وقوله تعالى: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى} أي وما منع أهل مكة أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى على يد رسولهم {إِلَّا أَنْ قَالُوا} أي إلا لقولهم {أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَسُولًا}؟ منكرين على الله أن يبعث رسولًا من البشر!

وقوله تعالى: {قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا} أي قل يا رسولنا لهؤلاء المنكرين أن يكون الرسول بشرًا، المتعجبين من ذلك، قل لهم: لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين ساكنين في الأرض لا يغادرونها لنزلنا عليهم من السماء ملكًا رسولًا يهديهم بأمرنا ويعلمهم ما يطلب منهم فعله بإذننا؛ لأنهم يفهمون عنه لرابطة الجنس بينهم والتفاهم الذي يتم لهم. ولذا بعثنا إليكم رسولًا من جنسكم تفهمون ما يقول لكم يقدر على إفهامكم والبيان لكم فكيف إذًا تنكرون الرسالة للبشر وهي أمر لا بد منه؟!

وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} (الكهف:١١٠)

قال الإمام الطبري - رحمه الله -: «يقول تعالى ذكره: قل لهؤلاء المشركين يا محمد: إنما أنا بشر مثلكم من بني آدم، لا علم لي إلا ما علمني الله، وإن الله يوحي إليّ أن معبودكم ـ الذي يجب عليكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا ـ معبود واحد لا ثاني له، ولا شريك.

<<  <   >  >>