للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أقَرَّ بهذا كله، ولكنه كذب بالبعث فإنه كافر بالإجماع لقول الله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} (التغابن:٧).

فإذا أقررت بهذا فاعلم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهو أعظم من الصلاة، والزكاة، والصوم والحج، فكيف إذا جحد الإنسان شيئًا من هذا الأمور كفَر ولو عمل بكل ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم -؟ وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر؟ سبحان الله، ما أعجب هذا الجهل! فمنكر التوحيد أشد كفرًا وأبين وأظهر.

وها هم أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - قاتلوا بني حنيفة وقد أسلموا مع النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويؤذِّنون ويصلون وهم إنما رفعوا رجلًا، وهو مسيلمة الكذاب، إلى مرتبة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -، فكيف بمن رفع مخلوقًا إلى مرتبة جبار السماوات والأرض، يدعوه ويذبح له ويستغيث به ويعتقد فيه النفع والضر؟ أفلا يكون أحق بالكفر ممن رفع مخلوقًا إلى منزلة مخلوق آخر؟!

وقد أجمع العلماء على كفر بني عبيد القداح (الفاطميين) الذين الذين ملكوا المغرب ومصر وكانوا يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويصلون الجمعة والجماعات ويدَّعون أنهم مسلمون، ولكن ذلك لم يمنعهم من حكم المسلمين عليهم بالردة حين أظهروا مخالفة المسلمين في أشياء دون التوحيد حتى قاتلوهم واستنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين.

وإذا كان الكفار الأولون لم يكفروا إلا حين جمعوا جميع أنواع الكفر من الشرك والتكذيب والاستكبار فما معنى ذِكر أنواع من الكفر في (باب حكم المرتد)؟ كل نوع منها يُكَفّر حتى ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزاح واللعب، فلولا أن الكفر يحصل بفعل نوع منه وإن كان الفاعل مستقيمًا في جانب آخر لم يكن لذكر الأنواع فائدة.

<<  <   >  >>