للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاضطراب والتدليس، وعليه فقول بعض المحدثين في حديث ما: «رجاله رجال الصحيح» أو: «رجاله ثقات» أو نحو ذلك لا يساوي قوله: «إسناده صحيح» فإن هذا يثبت وجود جميع شروط الصحة التي منها السلامة من العلل، بخلاف القول الأول، فإنه لا يثبتها، وإنما يثبت شرطًا واحدًا فقط وهو عدالة الرجال وثقتهم وبهذا لا تثبت الصحة كما لا يخفى.

تنبيه آخر: قد يَسْلَم الحديث المقول فيه ذلك القول من تلك العلل ومع ذلك فلا يكون صحيحًا، لأنه قد يكون في السند رجل من رجال الصحيح ولكن لم يحتَجّ به، وإنما أخرج له استشهادًا أو مقرونًا بغيره لضعف في حفظه، أو يكون ممن تفرد بتوثيقه ابن حبان، وكثيرًا ما يشير بعض المحققين إلى ذلك بقوله: «ورجاله موثقون» إشارة إلى أن في توثيق بعضهم لِينًا، فهذا كله يمنع من أن تفهم الصحه من قولهم الذي ذكرنا.

تنبيه أخير: قال أحد دعاة الصوفية المعاصرين بعد أن استشهد بالحديث: «ولا يبعد أن يقاس على الملائكة أرواح الصالحين فهي أجسام نورانية باقية في عالمها»

الرد: أولًا: من أين لك هذا؟ كيف يقال: «إن أرواح الصالحين أجسام نورانية» مع أن الله - عز وجل - قد قال: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (الإسراء:٨٥)

قال الحافظ ابن كثير: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} أي: من شأنه، ومما استأثر بعلمه دونكم؛ ولهذا قال: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} أي: وما أطلعكم من علمه إلا على القليل، فإنه لا يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء تبارك وتعالى.

ثانيًا: بقاء أرواح الصالحين في عالمها ليس دليلًا على أنها تنفع أو تضر. فالحياة البرزخية حياة لا يعلمها إلا الله تعالى، وليس لها أية علاقة بالحياة الدنيا وليس لها بها أي صلة ... فهي حياة مستقلة نؤمن بها ولا نعلم ما هيتها.

وإن ما بين الأحياء والأموات حاجز يمنع الاتصال فيما بينهم قطعيًا وعلى هذا فيستحيل الاتصال بينهم لا ذاتًا ولا صفات والله سبحانه يقول: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (المؤمنون:١٠٠) والبرزخ معناه: الحاجز الذي يحول دون اتصال هؤلاء

<<  <   >  >>