للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصحيح مثلًا باعتبار نظر المحدِّث: موضوعًا أو ضعيفًا في نفس الأمر، وبالعكس. نعم المتواتر مطلقًا قطعي النسبة لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - اتفاقًا.

ومع كون الحديث يحتمل ذلك، فيعمل بمقتضى ما يثبت عند المحدثين، ويترتب عليه الحكم الشرعي المستفاد منه للمستنبطين.

وفي (الفتوحات المكية) للشيخ الأكبر قدس سره الأنور (١)، ما حاصله: فَرُبَّ حديث يكون صحيحًا من طريق رواته يحصل لهذا المكاشف أنه غير صحيح لسؤاله لرسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - فيعَلم وضعه، ويترك العمل به وإن عمل به أهل النقل لصحة طريقه.

ورُبَّ حديثٍ تُرِك العمل به لضعف طريقه، من أجل وضاع في رواته، يكون صحيحًا في نفس الأمر، لسماعِ المكاشف له من الروح حين إلقائه على رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -» انتهى».

قال عبد الفتاح أبو غدة: «هذا ما نقله العجلوني وسكت عليه واعتمده! ولا يكاد ينقضي عجبي من صنيعه هذا!

وهو المحدث الذي شرح (صحيح البخاري)، كيف استساغ قبول هذا الكلام الذي تُهْدَر به علوم المحدثين، وقواعد الحديث والدين؟ ويصبح به أمر التصحيح والتضعيف من علماء الحديث شيئًا لا معنى له بالنسبة إلى من يقول: إنه مكاشَف أو يَرى نفسه أنه مكاشَف! ومتى كان لثبوت السنة المطهرة مصدران: النقل الصحيح من المحدثين والكشف من المكاشفين؟!

فحذارِ أن تغتر بهذا، والله يتولاك ويرعاك» اهـ كلام أبي غدة.

الشبهة الثانية: قد يقول قائل إنه قد ورد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: «أنا في قبري حي طري، من سلَّم علي سلَّمتُ عليه». وأنه يستفاد منه أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - حيٌّ مثل حياتنا، فإذا توسلنا به سمعَنا واستجاب لنا، فيحصل مقصودنا، وتتحقق رغبتنا، وأنه لا فرق في ذلك بين حاله - صلى الله عليه وآله وسلم - في حياته، وبين حاله بعد وفاته.

وهذا مردود من وجهين:

الأول: الحديث المذكور لا أصل له بهذا اللفظ، كما أن لفظة (طريّ) لا وجود لها في شيء من كتب السنة إطلاقًا ـ فيما نعلم ـ ولكن معناه قد ورد في عدة أحاديث صحيحة، منها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - «إن أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خُلق آدم، وفيه قبِض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا علي الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليّ» قالوا: يا رسول الله! وكيف تُعرض صلاتنا عليك، وقد أرمتَ (قال: يقولون: بَليتَ)، قال: «إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء» (رواه أبو داود وصححه الألباني)، (أرم أي صار رميما ـ أي عظمًا باليًا)، ومنها قوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «الأنبياء أحياء في قبورهم يصَلُّون» (رواه أبو يعلى والبزار وصححه الألباني) وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «مررت ليلة أسري بي على موسى قائمًا يصلي في قبره» (رواه مسلم) وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام». (رواه النسائي وصححه الألباني).

الوجه الثاني: أن حياته - صلى الله عليه وآله وسلم - بعد وفاته مخالفة لحياته قبل الوفاة، ذلك أن الحياة البرزخية غيب من الغيوب، ولا يدري كيفيتها إلا الله - عز وجل -، ولكن من الثابت والمعلوم أنها تختلف عن الحياة الدنيوية، ولا تخضع لقوانينها، فالانسان في الدنيا يأكل ويشرب،


(١) يقصد ابن عربي الصوفي الهالك. أما ابن العربي) بالألف واللام) فهو القاضي أبو بكر من علماء المالكية، وهو صاحب كتاب (العواصم من القواصم)، وهو كتاب قيِّم، وشرَحَ (سنن الترمذي) في كتاب عنوانه (عارضة الأحوذي).
أما ابن عربي (بدون الألف واللام) فهو الصوفي الهالك، صاحب كتاب (الفتوحات المكية)، قال الحافظ ابن حجر: أنه ذكر لشيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، شيئًا من كلام ابن عربي المشكل، وسأله عن ابن عربي، فقال له شيخ الإسلام البلقيني: هو كافر.
قال ابن خلدون: ومن هؤلاء المتصوفة: ابن عربي، وابن سبعين، وابن برّجان، وأتباعهم، ممن سلك سبيلهم ودان بنحلتهم، ولهم تواليف كثيرة يتداولونها، مشحونة من صريح الكفر، ومستهجن البدع، وتأويل الظواهر لذلك على أبعد الوجوه وأقبحها، مما يستغرب الناظر فيها من نسبتها إلى الملّة أو عدّها في الشريعة.
وقال السبكي: ومن كان من هؤلاء الصوفية المتأخرين، كابن عربي وأتباعه، فهم ضلاّل جهال، خارجون عن طريقة الإسلام، فضلًا عن العلماء.

<<  <   >  >>