للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في (الأذكار) وابن تيمية في (القاعدة الجليلة) والذهبي في (الميزان) بل قال في (الضعفاء) (٨٨/ ١): «مجمع على ضعفه».

الحديث الثاني: حديث بلال - رضي الله عنه - وهو ما روي عنه أنه قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا خرج إلى الصلاة قال: بسم الله، آمنت بالله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. اللهم بحق السائلين عليك، وبحق مخرجي هذا، فإني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا .. » الحديث أخرجه ابن السني في (عمل اليوم والليلة، رقم٨٢) من طريق الوازع بن نافع العقيلي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله عنه.

وهذا سند ضعيف جدًا، وآفته الوازع هذا، فإنه لم يكن عنده وازع يمنعه من الكذب، كما بينه الألباني في (السلسلة الضعيفة)، وقال النووي في (الأذكار): «حديث ضعيف أحد رواته الوازع بن نافع العقيلي وهو متفق على ضعفه، وأنه منكر الحديث» وقال الحافظ ابن حجر بعد تخريجه: «هذا حديث واه جدًا».

* ومع كون هذين الحديثين ضعيفين فهما لا يدلان على التوسل بالمخلوقين أبدًا، وإنما يعودان إلى أحد أنواع التوسل المشروع الذي تقدم الكلام عنه، وهو التوسل إلى الله تعالى بصفة من صفاته - عز وجل -؛ لأن فيهما التوسل بحق السائلين على الله وبحق ممشى المصلين. فما هو حق السائلين على الله تعالى؟ لا شك أنه إجابة دعائهم، وإجابة الله دعاء عباده صفة من صفاته - عز وجل -، وكذلك حق ممشى المسلم إلى المسجد هو أن يغفر الله له، ويدخله الجنة ومغفرة الله تعالى ورحمته، وإدخاله بعض خلقه ممن يطيعه الجنة. كل ذلك صفات له تبارك وتعالى.

الحديث الثالث: عن أبي أمامة قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا أصبح، وإذا أمسى دعا بهذا الدعاء: اللهم أنت أحق من ذكر، وأحق من عبد .. أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض، وبكل حق هو لك، وبحق السائلين عليك ... ».

قال الهيثمي في (مجمع الزوائد) (١٠/ ١١٧): «رواه الطبراني، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف مجمع على ضعفه».

قال الألباني: «بل هو ضعيف جدًا»، اتهمه ابن حبان فقال: «شيخ يزعم أنه سمع أبا أمامة، يروي عنه ما ليس منه حديثه». وقال أيضًا: «لا يجوز الاحتجاج به بحال، يروي أحاديث لا أصل لها».وقال ابن عدي في (الكامل) (٢٥/ ١٣): «أحاديثه كلها غير محفوظة».

الحديث الرابع: عن أنس بن مالك قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد بن هاشم أم علي - رضي الله عنهم - دعا أسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلامًا أسود يحفرون ... فلما فرغ دخل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -، فاضطجع فيه فقال: «الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بين أسد، ولقنها حجتها، ووسع مدخلها بحق نبيك، والأنبياء الذين من قبلي، فإنك أرحم الراحمين ... ».

قال الهيثمي في (مجمع الزوائد): (رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه روح بن صلاح، وثقة ابن حبان والحاكم وفيه ضعف، وبقية رجاله رجال الصحيح).

قال الألباني: ومن طريق الطبراني رواه أبو نعيم في (حلية الأولياء) وإسناده عندهما ضعيف، لأن روح بن صلاح الذي في إسناده قد تفرد به، كما قال أبو نعيم نفسه، وروح ضعّفه ابن عدي، وقال ابن يونس: رويت عنه مناكير، وقال الدارقطني: «ضعيف في الحديث»، وقال ابن ماكولا: «ضعَّفوه»، وقال ابن عدي بعد أن أخرج له حديثين: «له أحاديث كثيرة، في بعضها نكرة» فقد اتفقوا على تضعيفه فكان حديثه منكرًا لتفرده به. وقد ذهب بعضهم إلى تقوية هذا الحديث لتوثيق ابن حبان والحاكم لروح هذا، ولكن ذلك لا ينفعهم، لما عرفا به من التساهل في التوثيق، فقولهما عند التعارض لا يقام له وزن حتى لو كان الجرح مبهمًا، فكيف مع بيانه كما هي الحال هنا.

الحديث الخامس: عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يستفتح بصعاليك المهاجرين».

فيرى المخالفون أن هذا الحديث يفيد أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يطلب من الله تعالى أن ينصره، ويفتح عليه بالضعفاء المساكين من المهاجرين، وهذا ـ بزعمهم ـ هو التوسل المختلف فيه نفسه.

قال الألباني: «والجواب من وجهين:

الأول: ضعف الحديث، فقد أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير):حدثنا محمد بن إسحاق بن راهويه حدثنا أبي حدثنا عيسى بن يونس حدثني أبي عن أبيه عن أميه به.

وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي بن عبيد الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن أمية بن خالد به. ثم رواه من طريق قيس بن الربيع عن أبي إسحاق عن المهلب بن أبي صفرة عن أمية بن خالد مرفوعًا بلفظ: «. .. يستفتح ويستنصر بصعاليك المسلمين».

قال الألباني: «مداره على أمية هذا، ولم تثبت صحبته، فالحديث مرسل ضعيف، وقال ابن عبد البر في (الاستيعاب) (١/ ٣٨): «لا تصح عندي صحبته، والحديث مرسل» وقال الحافظ ابن حجر في (الإصابة) (١/ ١٣٣): «ليست له صحبة ولا رواية».

قال الألباني: وفيه علة أخرى، وهي اختلاط أبي اسحاق وعنعنته، فإنه كان مدلسًا، إلا أن سفيان سمع منه قبل الاختلاط، فبقيت العلة الأخرى وهي العنعنة. فثبت بذلك ضعف الحديث وأنه لا تقوم به حجة. وهذا هو الجواب الأول.

الثاني: أن الحديث لو صح فلا يدل إلا على مثل ما دل عليه حديث عمر، وحديث الأعمى من التوسل بدعاء الصالحين. قال المناوي في (فيض القدير): «كان يستفتح» أي يفتتح القتال، من قوله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} (الأنفال: ١٩) ذكره الزمخشري. «ويستنصر» أي يطلب النصرة «بصعاليك المسلمين» أي بدعاء فقرائهم الذين لا مال لهم.

قال الألباني: وقد جاء هذا التفسير من حديثه، أخرجه النسائي بلفظ: «إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم، وصلاتهم وإخلاصهم» وسنده صحيح، وأصله في (صحيح البخاري)، فقد بين الحديث أن الاستنصار إنما يكون بدعاء الصالحين، لا بذواتهم وجاههم.

ومما يؤكد ذلك أن الحديث ورد في رواية قيس بن الربيع المتقدمة بلفظ: «كان يستفتح ويستنصر ... » فقد علمنا بهذا أن الاستنصار بالصالحين يكون بدعائهم وصلاتهم

<<  <   >  >>