للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعلى قدر إحسان المرء إلى اللئيم تكون إساءة اللئيم إليه، كما قال معن بن أوس متوجعًا من لئيم:

أعلمه الرماية كل يوم ... فلما استد (١) ساعده رماني!

أعلمه الفتوة كل وقت ... فلما طر شاربه جفاني!!

وكم علمته نظم القوافي فلما قال قافية هجاني!!!

ولله در أبي الطيب المتنبي إذ يقول:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ... وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

ووضع الندى في موضع السيف بالعُلا ... مُضِرٌّ كوضع السيف في موضع النَّدَى

وفي بعض الشعر التركي أو الفرنسي الذي ترجمه أمير الشعراء أحمد شوقي:

إن كنتَ ذا فضل فكُـ ... ـنْهُ على ذكيٍّ أو كريم

فالفضلُ يَنْسَاهُ الغَـ ... ـبيُّ وليس يحفظه اللئيم

السادسة: الصدق

فلا تصحب كذابًا فإنك منه على غرور، فإنه مثل السراب يقرب منك البعيد ويبعد منك القريب.

ولعلك تعدم اجتماع هذه الخصال في سكان المدارس والمساجد، فعليك بأحد أمرين: إما العزلة والانفراد ففيها سلامتك، وإما أن تكون مخالطتك مع شركائك بقدر خصالهم، وذلك بأن تعلم أن الإخوةَ ثلاثة:

١ - أخ لآخرتك: فلا تراع فيه إلا الدين.

٢ - وأخ لدنياك: فلا تراع فيه إلا الخلق الحسن.

٣ - وأخ لتأنس به: فلا تراع فيه إلا السلامة من شره وفتنته وخبثه.

والناسَ ثلاثة:

أحدهم: مثله مثل الغذاء لا يستغنى عنه.

والآخر: مثله مثل الدواء يحتاج إليه في وقت دون وقت.

والثالث: مثله مثل الداء لا يحتاج إليه قط، ولكن العبد قد يُبتلى به، وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع، فتجب مداراته إلى الخلاص منه، وفي مشاهدته فائدة


(١) استد - بالسين المهملة: أي: استقام. ومَن رواه بالشين المعجمة فقد أخطأ؛ قال الإمام العلامة عبد الملك بن قُريب الأصمعي [المتوفى سنة ست عشرة ومائتين] (رحمه الله): ((اشتد بالشين ليس بشيء)). نقله الجوهري (رحمه الله) في "الصحاح".

<<  <   >  >>