فالفرض: رأس المال، وهو أصل التجارة وبه تحصل النجاة. والنفل: هو الربح وبه الفوز بالدرجات، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله تعالى قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) (١)، ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك، من حين تصبح إلى حين تمسى.
فاعلم أن الله تعالى مطلع على ضميرك، ومشرف على ظاهرك وباطنك، ومحيط بجميع لحظاتك وخطراتك وخطواتك وسائر سكناتك وحركاتك، وأنك في مخالطتك وخلواتك متردد بين يديه فلا يسكن في الملك والملكوت ساكن، ولا يتحرك متحرك إلا وجبار السماوات والأرض مطلع عليه {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}(غافر: ١٩) و {يعلم السر وأخفى}(طه: ٧).
فتأدب أيها المسكين ظاهراً وباطناً بين يدي الله تعالى تأدب العبد الذليل المذنب في حضرة الملك الجبار القهار، واجتهد ألا يراك مولاك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك، ولن تقدر على ذلك إلا بأن توزع أوقاتك وترتب أورادك من صباحك إلى مسائك.
فاصغ إلى ما يلقى إليك من أوامر الله تعالى عليك من حين تستيقظ من منامك إلى وقت رجوعك إلى مضجعك.
(١) أخرجه الإمام البخاري (٦٥٠٢)، وابن حبان (٣٤٧ - إحسان)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء" (ج١ص٧) ط/ مكتبة الإيمان بالمنصورة، والبيهقي في "السنن الكبرى" (ج٣ص٣٤٦)، و (ج١٠ص٢١٩)، وفي "الأسماء والصفات"، وفي "الزهد الكبير" (٦٩٦). وراجع "جامع العلوم والحكم" للحافظ ابن رجب الحنبلي (٣٨)، و"فتح الباري" للحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله (١١/ ٤٠٠ - ٤٠٧) طـ/دار الحديث، و"السلسلة الصحيحة" للشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله (١٦٤٠).