فأما المزاح المحمود، فهو: الذي لا يشوبه ما كره الله (عز وجل)، ولا يكون بإثم، ولا قطيعة رحم. وأما المزاح المذموم (وهو المراد هنا) فالذي يثير العداوة، ويذهب البهاء، ويقطع الصداقة، ويجرئء الدنيء عليه، ويحقد الشريف به)). ثم قال: ((والمزاح في غير طاعة الله مسلبة للبهاء، مقطعة للصداقة، يورث الضغن، وينبت الغل. وإنما سُمي المزاح مزاحًا؛ لأنه زاح عن الحق، وكم من افتراق بين أخوين، وهجران بين متآلفين، كان أول ذلك المزاح.
وإن من المزاح ما يكون سببًا لتهييج المراء، والواجب على العاقل اجتنابه؛ لأن المراء مذموم في الأحوال كلها، ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين: إما رجل هو أعلم منه، فكيف يجادل مَن هو دونه في العلم؟! أو يكون ذلك أعلم منه، فكيف يماري مَن هو أعلم منه؟! وقد سمعت حفص بن عمر البزار يقول: سمعت إسحاق بن الضيف يقول: سمعت جعفر بن عون يقول: سمعت مسعر بن كدام يقول لابنه كدام: إني نحلتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع مقال أب عليك شفيق أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لشفيق والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في الناس أي عروق.