للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثامن: المزاح (١)

والسخرية والاستهزاء بالناس

فاحفظ لسانك منه في الجد والهزل، فإنه يريق ماء الوجه، ويسقط المهابة، ويستجر الوحشة، ويؤذي القلوب، وهو مبدأ اللجاج والغضب والتصارم، ويغرس الحقد في القلوب، فلا تمازح أحدًا، فإن مازحوك فلا تجبهم وأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وكن من الذين إذا مروا باللغو مروا كرامًا.

فهذه مجامع آفات اللسان، ولا يعينك عليه إلا العزلة أو ملازمة الصمت إلا بقدر الضرورة، فقد كان أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يضع حجرًا في فيه ليمنعه ذلك من الكلام بغير ضرورة. ورآه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو يمد لسانه، فقال له عمر - رضي الله عنه -: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟!. فقال أبو بكر


(١) قال الإمام ابن حبان (رحمه الله) في كتابه الماتع "روضة العقلاء": المزاح على ضربين: فمزاح محمود، ومزاح مذموم.
فأما المزاح المحمود، فهو: الذي لا يشوبه ما كره الله (عز وجل)، ولا يكون بإثم، ولا قطيعة رحم.
وأما المزاح المذموم (وهو المراد هنا) فالذي يثير العداوة، ويذهب البهاء، ويقطع الصداقة، ويجرئء الدنيء عليه، ويحقد الشريف به)).
ثم قال:
((والمزاح في غير طاعة الله مسلبة للبهاء، مقطعة للصداقة، يورث الضغن، وينبت الغل.
وإنما سُمي المزاح مزاحًا؛ لأنه زاح عن الحق، وكم من افتراق بين أخوين، وهجران بين متآلفين، كان أول ذلك المزاح.

وإن من المزاح ما يكون سببًا لتهييج المراء، والواجب على العاقل اجتنابه؛ لأن المراء مذموم في الأحوال كلها، ولا يخلو المماري من أن يفوته أحد رجلين: إما رجل هو أعلم منه، فكيف يجادل مَن هو دونه في العلم؟!
أو يكون ذلك أعلم منه، فكيف يماري مَن هو أعلم منه؟!
وقد سمعت حفص بن عمر البزار يقول: سمعت إسحاق بن الضيف يقول: سمعت جعفر بن عون يقول: سمعت مسعر بن كدام يقول لابنه كدام:
إني نحلتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع مقال أب عليك شفيق
أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جارا ولا لشفيق
والجهل يزري بالفتى في قومه ... وعروقه في الناس أي عروق.

<<  <   >  >>