للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الرابع: المراء والجدال ومناقشة الناس في الكلام]

فذلك فيه إيذاء للمخاطب وتجهيل له وطعن فيه، وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد الفطنة والعلم، ثم هو مشوش للعيش؛ فإنك لا تمارى سفيهًا إلا ويؤذيك، ولا تماري حليمًا إلا ويقليك ويحقد عليك؛ وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) (١).

ولا ينبغي أن يخدعك الشيطان ويقول لك: أظهر الحق ولا تداهن فيه، فإن للشيطان دأبًا يستجر الحمقى إلى الشر في معرض الخير، فلا تكن ضُحكةً للشيطان فيسخر منك، فإظهار الحق حسنٌ مع من يقبله منك، وذلك بطريق النصيحة في الخفية لا بطريق المماراة.

وللنصيحة صفة وهيئة، ويُحتاج فيها إلى تلطف، وإلا صارت فضيحة وكان فسادها أكثر من صلاحها. ولله در الإمام الشافعي - رحمه الله - حيث يقول: ((من وعظ أخاه سراً فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه) وقال أيضاً:

تعمدني بنصحك في انفرادي ... وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع ... من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خالفتني وعصيت قولي ... فلا تجزع إذا لم تعط طاعه

ومن خالط متفقهة العصر غلب على طبعه المراء والجدال، وعسر عليه الصمت؛ إذ ألقى إليه علماء السوء أن ذلك هو الفضل، والقدرة على المحاجة والمناقشة هو الذي يمتدح به، ففر منهم فرارك من الأسد، واعلم أن المراء سبب المقت عند الله وعند الخلق.

****


(١) أخرجه أبو داود (٤٨٠٠) من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -، وله شواهد انظرها إن شئت في "الترغيب والترهيب" [كتاب العلم-الترهيب من المراء والجدال]، و"المجمع" (١/ ١٥٧)، (٨/ ٢٣)، و"الصحيحة" (٢٧٣).

<<  <   >  >>