ثم صل الفرض مع الإمام، ولا تشتغل بعد العصر إلا بمثل ما سبق قبله، ولا ينبغي أن تكون أوقاتك مهملة، فتشتغل في كل وقت بما اتفق كيف اتفق، بل ينبغي أن تحاسب نفسك وترتب أورادك في ليلك ونهارك، وتعيّن لكل وقت شغلاً لا تتعداه، ولا تؤثر فيه سواه، فبذلك تظهر بركة الأوقات.
فأما إذا تركت نفسك سدى مهملاً إهمال البهائم، لا تدري بماذا تشتغل في كل وقت، فينقضي أكثر أوقاتك ضائعًا، وأوقاتك عمرك، وعمرك رأس مالك وعليه تجارتك، وبه وصولك إلى نعيم دار الأبد في جوار الله تعالى، فكل نفس من أنفاسك جوهرة لا قيمة لها؛ إذ لا بدل له فإذا فات فلا عود له.
فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون كل يوم بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم، فأي خير في مال يزيد وعمر ينقص؟!
ولا تفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالح، فإنهما رفيقاك يصحبانك في القبر حيث يتخلف عنك أهلك ومالك وولدك وأصدقاؤك.
ثم إذا اصفرت الشمس فاجتهد أن تعود إلى المسجد قبل الغروب وتشتغل بالتسبيح والاستغفار، فإن فضل هذا الوقت كفضل ما قبل الطلوع قال الله تعالى:{وَسَبِح بِحَمدِ رَبِك قَبلَ طُلوع الشَمس وَقَبلَ غُروبِها}[طه: ١٣٠].
ولتغرب عليك الشمس وأنت في الاستغفار، فإذا سمعت الأذان فأجبه، وقل بعده ما ذكرناه لك قبل ذلك.
ثم صل ركعتين؛ فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب))، ثم قال في الثالثة:((لمن شاء)) (١).
ثم صل الفرض مع الإمام، وصل بعده ركعتين فهما راتبة المغرب.
وإن أمكنك أن تنوي الاعتكاف إلى العشاء وتحيي ما بين العشاءين بالصلاة فافعل؛ فقد ورد في فضل ذلك ما لا يحصى، وهي ناشئة الليل لأنه أول نشأته،
(١) أخرجه البخاري (١١٨٣، ٧٣٦٨)، وأحمد (٥/ ٥٥)، وأبو داود (١٢٨١).