(٢) ومن أوضح الأدلة على ذلك كتاب الحافظ زين الدين العراقي - رحمه الله - {المتوفى سنة ٨٠٦ هـ} المسمى: " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار "، فكم من الأحاديث التي جزم الغزالي رحمه الله بنسبتها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويقول فيها الحافظ العراقي - رحمه الله -: ((لا أصل له))، و ((لم أجد له أصلاً)) ... فضلاً عن الأحاديث الموضوعة، فضلاً عن المنكرة والشاذة والضعيفة المعلولة، حتى قال بعض أهل العلم: ((ما رأيت كتاباً أكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - من " الإحياء "))!، ولكننا نقول كما قال ابن الجوزي رحمه الله: إن الإمام الغزالي لم يتعمد الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاشاه من ذلك - ولكنه نقل الأحاديث ((كما اقتراها، لا أنه افتراها))، والإمام رحمه الله لم يكن من ذوي الاختصاص في علم الحديث حتى يستطيع تمييز صحيح الأخبار من سقيمها، وطيبها من خبيثها، وقد اعترف رحمه الله بذلك حيث قال: ((أنا مزجى البضاعة في الحديث)). بيد أن الإمام - رحمه الله - مال في آخر عمره إلى سماع الحديث وحفظه، ومات وصحيح البخاري على صدره. وراجع ترجمة الإمام - رحمه الله - في " البداية والنهاية " للعماد ابن كثير أبي الفداء - رحمه الله - {المتوفى سنة ٧٧٤ هـ} (ج١٢/ ١٤٩) طـ مكتبة الصفا، حوادث سنة (٥٠٥ هـ). وراجع أيضاً "سير أعلام النبلاء" للحافظ العالم العلامة شمس الدين الذهبي -رحمه الله- {المتوفى سنة ٧٤٨هـ}. ومن الأهمية بمكان أن نذكر بأنه ليس معنى تبيين ما في كتب الإمام من الآفات أن نهضمه حقه، وننسى جهودَه وحسناتِه! ... كلا ثم كلا؛ فالغزالي هو الغزالي، وكفى الغزاليََّ فخرًا أنه الغزالي، ذلك الإمام العلامة الجهبذ النحرير الحِبل الزاهد العابد العارف الورع، الذي تشهد الدنيا بورعه وزهده وعلمه، ومن أنكر ذلك فكأنما أنكر ضوء الشمس في رابعة النهار: وكيف يصح في الأذهان شيء ... إذا احتاج النهار إلى دليل وإنما ذكرنا ما ذكرناه من باب النصيحة كما أسلفنا، وإلا فقد قال نبينا صلى الله عليه وسلم: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث))، ولله در من قال: وإذا الحبيب أتى بذنب واحد ... جاءت محاسنه بألف شفيع وأجمِل بقول القائل: فإن يكن الفعل الذي ساء واحدًا ... فأفعاله اللاتي سررن كثير.