وهنا يكون نوع اتصال بين الروح والجسد، كما أخبر عليه الصلاة والسلام عن الميت بأنه يسمع قرع النعال، ولكنه يسمع سمعا لا ينتفع به، وقد وقف نبينا صلى الله عليه وسلم على قليب بدر على قتلى قريش، فناداهم بأسمائهم: يا أبا جهل بن هشام! يا عتبة بن ربيعة! وعدهم ثم قال: (قد وجدت ما وعدني ربي حقا، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟! فتعجب الصحابة فقال عمر: يا رسول الله! أتخاطب أقواما قد جيفوا؟! فقال: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لايستطعون جوابا).
قال حسان: يناديهم رسول الله لما قذفناهم كباكب في القليب ألم تجدوا كلاميَ كان حقا وأمر الله يأخذ بالقلوب فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا صدقت وكنت ذا رأي مصيب فحسان يصور الحادثة شعرا، ومن هنا أخذ بعض العلماء أن الموتى يسمعون، ولكنهم لا يسمعون سماع انتفاع، وهذا مثل ضربه الله في القرآن فقال:{وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء}[البقرة:١٧١] فالراعي تسمع غنمه ما يقول، ولكنها لا تسمع سمع انتفاع، فلا تدري ما يقول وإن كانت تسمع المفردات والأقوال والكلمات، وهذه قضية طويلة بين العلماء لا أحب الخوض فيها.
فإذا اتصلت الروح بالجسد فإنه يقع عليها النعيم ويقع عليها العذاب، يقول ابن تيمية -غفر الله له ورحمه- إن عذاب القبر ونعيمه يقع على الروح والجسد -وهذا متفق عليه عند أهل السنة- ويقع كذلك على الروح منفردة عن البدن.
وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بشيء من هذا، فقد أخبر بأنه رأى الزناة والزواني -نسأل الله العافية- في تنور ضيق من أدناه، واسع من أعلاه، ورأى أكلة الربا تمر عليهم سابلة آل فرعون، ورأى من يقرب إليهم قدر نضيج طيب فلا يأكلون منه، ويأكلون من لحم نتن خبيث، فقال: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: هذا الرجل يترك امرأته حلالا، ويذهب يبيت مع امرأة خبيثة حتى يصبح، فما حياة البرزخ إلا صورة للحياة الدنيا، فالجزاء من جنس العمل، وسيكون نفس الصنيع بك في برزخك، والله يقول:{وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}[المؤمنون:١٠٠] ويقول: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ}[إبراهيم:٢٧].