وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن آخر أهل النار خروجاً منها، وآخر أهل الجنة دخولاً إليها، وهو رجل يخرج من النار وقد فتسفعه النار، فيحبو مرة ويكبو مرة، فيقول: يا رب! أخرجني منها، فيخرجه الله منها، فتلوح له شجرة فيسأل الله أن يستظل بظلها ويدنو منها، فيأخذ الله عليه عهوداً ومواثيق على ألا يسأله غيرها، وهو يعلم أنه سيسأله، فيدنوا من الجنة، فترفع له شجره أخرى، فيقول: يا رب! أدنني منها أستظل بظلها وأشرب من مائها.
فيأخذ الله عليه عهوداً ومواثيق على ألا يسأله غيرها، فيأتيها فترفع له شجرة أخرى أعظم من الأولين، فيأخذ الله عليه عهوداً ومواثيق على ألا يسأله غيرها، فإذا دنا من الثالثة سمع أصوات أهل الجنة فيسألها الله جل وعلا، فيقول الله جل وعلا له: يا ابن آدم! ما يصريني منك؟ أي: ما يقطع سؤلك.
ثم يأمره الله جل وعلا بأن يدخلها وله كمثل ملك أعظم ملك من ملوك الدنيا وعشرة أمثاله، فيقول الرجل: أتسخر بي وأنت رب العالمين؟! فضحك صلى الله عليه وسلم لما حدث، فقالوا: يا رسول الله! مم تضحك؟! قال: أضحك من ضحك رب العالمين إذ قال له عبده: أتسخر بي وأنت رب العالمين؟! فيقول الله له: لا أسخر بك، ولكني على ما أشاء قادر.
أو من قوله:(ولكني على ما أشاء قادر) نأخذ درساً مهماً، وهو أنه يجب أن تعلم وأنت ترفع يديك وتسأل الله أن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، فلنا ذنوب لا يقدر على غفرانها إلا الله، ولنا عيوب لا يمكن أن يسترها إلا الله، ولنا ديون لا يمكن أن يقضيها إلا الله، ولنا آمال لا يمكن أن يحققها إلا الله، ولنا مخاوف لا يمكن أن يؤمننا منها إلا الله، فإذا استقر في القلب أن الله جل وعلا على كل شيء قدير، واستفتح العبد دعاءه وهو يدعو ربه بالثناء على الله ومدحه جل وعلا بما هو أهله، ثم بالصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، فإنه حري بعد ذلك بما وقع في القلب وبما نطق به اللسان أن يستجاب له.
واعلم أن الله أرحم بك من نفسك، فإن لم تعط العطية في حينها، فإما أن تؤخر وإما أن يكافئك الله جل وعلا بأعظم مما سألت، وخيرة الله لعبده خير من خيرة العبد لنفسه.