بعد وبين النفختين يأمر الله السماء أن تمطر فتمطر ماء أبيض كمني الرجال، فينبت الناس كما ينبت البقل؛ إذ إن جسد ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، وهو العظمة المستقرة في آخر فقراته، فهذه لا تبلى بقدر الله، وقد مر معنا أن أجساد الأنبياء لا تبلى، وقلنا: لا يوجد دليل صريح صحيح على أن أحداً مستثنى غير الأنبياء، لا الشهداء ولا حفظة القرآن ولا غيرهم، وقد يطول أمد أحدهم فلا يبلى، ولكن لا يوجد دليل صريح صحيح على أن أجساداً تبقى غير أجساد الأنبياء.
فعندما تمطر السماء هذا الماء تدب الحياة في الجسد فينبت، ثم يأمر الله إسرافيل بأن ينفخ، فإذا نفخ إسرافيل النفخة الثانية خرجت الأرواح من مستقرها، ثم ذهبت كل روح إلى الجسد الذي خرجت منه لا تخطئ روح جسدا خرجت منه، فيجتمع الروح والجسد.
فالروح والجسد يلتئمان والإنسان جنين في بطن أمه، ويلتئمان بعد البعث التئاما آخر، فتدب فيه الحياة، فتنشق الأرض عن أهلها، كما قال ربنا:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ}[يس:٥١]، وقال صلى الله عليه وسلم:(أنا أول من ينشق عنه القبر)، فهو عليه الصلاة والسلام أول من ينشق عنه القبر، ثم قبور بقيع أهل المدينة، ثم أهل مكة، ثم ما بينهما، ثم بعد ذلك سائر القبور، فيحشر الناس إلى ربهم.