وهذا التأصيل لا بد منه قبل الشروع في الحديث عن فتنة الدجال.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال:(ما من نبي إلا وحذره أمته، وأنا أحذركم إياه، فأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم، وإنه خارج فيكم لا محالة)؛ لأن لم تبق أمة ليخرج فيها الدجال، فهو خارج في هذه الأمة، أمة الإجابة التي آمنت، أو أمة الدعوة التي بعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم.
وما السر في أن جميع الأنبياء يحذرون أممهم من الدجال؟ إن السر في ذلك أن الفتن في غير الدجال تتعلق -في الغالب- بادعاء النبوة، ولكن فتنة الدجال في ادعاء الإلهية، وقد يأتي إنسان ويقول: كذلك فرعون والنمرود كل منهما زعم أنه إله! والجواب عن هذا أن النمرود وفرعون لم يكن بأيديهما شيء يثبتان به للناس أنهما قريبان قريبين من القدرة الإلهية إلا القتل، كما قال تعالى عن فرعون:{قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ}[الأعراف:١٢٧]، والنمرود يقول:{أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}[البقرة:٢٥٨]، ولكن ليس لديه شيء يخدع به الناس، فكشف عواره للناس ظاهر جداً، ولذلك رضخ الناس للنمرود ورضخوا لفرعون من باب سلطان القوة لا من باب سلطان القناعة، فلا يسمى النمرود ولا يسمى فرعون فتنة بالمعنى الحقيقي للخوض في قضية الإلهية، أما الدجال فإن الله جل وعلا يعطيه بأمره تبارك وتعالى فتنة للناس عن طريق بعض الأمور التي يلبس بها عليهم، وهذا اللبس هو الذي خاف منه النبي صلى الله عليه وسلم، فحذر المؤمنين من الخروج إليه، وأخبر بأن الرجل يأتيه يظن أنه مؤمن، وأنه لا يلتبس عليه شيء، ومع ذلك يقع في فتنته، وقد قال العلماء: إن الآثار تدل على أن الدجال يظهر في مرحلة يقل الحديث عنه فيها بين الناس.
فهذا الدجال فتنته هي في أنه يزعم أنه هو رب العالمين، وأنه هو الخالق وهو الرازق وهو المدبر، وله مع ذلك علامات سيأتي الحديث عنها.