فأهل الجنة يحبسون قبل دخول الجنة، ثم بعد تصفيتهم يتوجهون إليها، وكانوا في الدنيا يسألونها الله الأيام والسنين، وعندما يرونها يكادون يطيرون شوقاً إليها؛ لأنهم ما صاموا ولا صلوا ولا عبدوا إلا من أجل دخولها، فهي الوعد الذي وعدهم الله جل وعلا إياه، ولكنهم يجدونها مغلقة الأبواب الثمانية، فيفزعون إلى أبيهم آدم قائلين: يا أبانا! استفتح لنا الجنة.
فيقول عليه السلام: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم.
وفي هذا دليل على أن الجنة التي أدخلها آدم وحواء وأخرجا منها هي جنة عدن التي وعدها الله جل وعلا عباده، وليس كما قال بعض أهل الفضل والعلم من أنها جنة أخرى.
فيقول: لست لها، اذهبوا إلى محمد صلوات الله وسلامه عليه.
وقد مر معنا أن الناس ينتهي بهم المطاف إلى نبينا صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود، وينتهي بهم المطاف في دخول الجنة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم، وهذا من إكرام الله لنبيه صلوات الله وسلامه عليه، وقد مر معنا أن الله أكرم هذا النبي إكراماً لم يكرمه الله جل وعلا أحداً من خلقه، فإن الله يقول وقد أباح له النساء:{تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ}[الأحزاب:٥١]، أي: تقدم من تشاء، وتؤخر من تشاء.
فالعدل لم يكن واجباً عليه صلى الله عليه وسلم، فمن اعتزلتها وأبعدتها ثم أردت أن تقربها مرة أخرى فلك ذلك.
فيستفتح صلى الله عليه وسلم باب الجنة، فيقول له الخازن: من أنت؟ والإنسان إذا أراد أن يطرق داراً؛ فإن من حق صاحب الدار أن يسأل، ولا يعد هذا خذلانا في الضيافة؛ لأن العاقل لا يدخل كل أحد بيته، وفي حديث الإسراء أن جبريل -وهو خير الملائكة- لما عرج مع النبي صلى الله عليه وسلم -وهو خير الخلق- في رحلة المعراج فوصل إلى السماء الدنيا طرق الباب، فقال الخازن لجبريل: من أنت؟ فقال: أنا جبريل.
فقال: أمعك أحد؟ قال: نعم، معي محمد.
فبعد أن عرف أذن لهما بالمرور والعبور؛ لأنه مالك للمكان فلو كان القادم أفضل من أهل الدار فإن للمسئول عن الدار أن يسأل.
فحين يستفتح نبينا، فيفتح باب الجنة يدخلها نبينا صلوات الله وسلامه عليه، ثم يدخلها الصالحون.