[تغميضه وغسله وتكفينه والصلاة عليه]
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد.
فإن الله تعالى خلقنا أرواحاً وأجساداً، فبين الجسد والروح اتصال، والموت في معناه الحقيقي: انفصال الروح عن الجسد، فإذا انفصلت الروح عن الجسد انفصالا كلياً كان هذا هو الموت الذي يعني الانتقال من دار إلى دار، ومن مرحلة إلى مرحلة، فالله جل وعلا خلق خلقه أطوار، فطور وهم أجنه في بطون أمهاتهم، وطور في الحياة الدنيا، وطور في حياة البرزخ، وطور يوم يقوم الأشهاد، وهذا هو يوم الخلود الأبدي، أما رحلة الجسد فتبدأ بخروج الروح، فإذا خرجت الروح أصبح الجسد لا حراك به، فلا يضره شيء، فالسنة عندها أن تغمض عينا الميت، ثم يوضع شيء ثقيل على بطنه حتى لا ينتفخ، ولو شد لحياه لكان ذلك حسناً، حتى لا تتغير هيئته، ولا يحسن النظر إلى الميت؛ لأنه ينتقل إلى حالة أخرى من التكوين والتصوير، فلا ينطبع في الأذهان شيء.
ثم بعد يكون غسله وتكفينه وهما فرض كفاية، ويتولى غسله قرابته، وأولاهم العصبة، وأولى العصبة أبوه ثم جده ثم ابنه ثم باقي العصبة، إلا إذا كان الميت قد أوصى، فإن تغسيل الميت حق للميت، فإذا أوصى الميت بأن يغسله أحد بعينه قدم الذي أوصى به الميت، ولو كان بعيدا، فإن الصديق رضي الله عنه وأرضاه أوصى بأن تغسله زوجته أسماء بنت عميس، كما أن أنساً رضي الله عنه خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بأن يغسله محمد بن سيرين.
ومحمد بن سيرين هو أحد أئمة التابعين، وكان مشهورا بتعبير الرؤيا، ويروى أنه جاءه رجل فقال له: إنني رأيت فيما يرى النائم رجلاً -ولم يسمه- نبت في ساقه شعر، فما تأويل الرؤيا؟ فقال محمد بن سيرين: هذا رجل يركبه دين، ثم يسجن، ثم يموت في سجنه، فقال له الرائي: رأيتها فيك.
فوقع الذي حكاه محمد في التعبير والتأويل، فركب محمد بن سيرين دين ثم سجن ثم مات في سجنه.
وحين كان في سجنه مات أنس، فأُخرج من السجن وقام بغسله ثم أعيد إلى سجنه.
والساق قد قال الله جل وعلا فيها: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [القلم:٤٢] وقال: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} [القيامة:٢٦ - ٢٩].
والعرب تقول: كشفت العرب عن ساقها أو: عن سوقها.
وأياً كان المعنى فإنه من هذا أخذ العلماء أن الساق في الرؤيا تدل على الكرب والأمر والهول العظيم.
والذي يعنينا في هذا المقام أن الوصي أولى بتغسيل الميت، ثم بعد غسله يكفن، ولا يكون هناك إسراف في الكفن، ولكن يكفن في ثلاثة أثواب إن كان رجلا، وفي خمسة إن كانت امرأة، ويندب أن تكون بيضاء ونقية، إما جديدة وإما مغسولة، ثم يصلى عليه، والصلاة على الميت من فروض الكفايات، وفيها يلح الإنسان ويصدق في الدعاء للميت لحاجته إلى ذلك.
ويصلى على كل مؤمن بار أو فاجر، إلا الغالّ الذي يسرق من الغنائم، أو من قتل نفسه، فهذا لا يصلي عليه إمام المسلمين أو من ينيبه الإمام، كأئمة الحرم، وكذلك ذوو الهيئات، كأشراف الناس وكبار العلماء، ولكن يصلي عليهم قراباتهم وعامة المسلمين زجراً لغيره عن أن يصنع صنيعه.
ومن قتل في حد -كمن زني فرجم، أو قتل قصاصا- فإنه يصلى عليه، حتى الإمام يصلي عليه.