ويحشرون على أرض بيضاء نقية لم يعص الله جل وعلا فيها قط، قال الله جل وعلا:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[إبراهيم:٤٨] وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ قال:(هم في الظلمة دون الجسر) والجسر المقصود به: الصراط.
وقد جاء في الحديث الصحيح عن الأرض التي يحشر عليها:(ليس فيها علم لأحد) والعلم إما جبل أو هضبة أو رابية، وهذا هو العلم الطبيعي، وأما العلم غيره فهو ما يضعه الناس من علامات ليعرفوا بها الطرائق والأماكن، فهذه الأرض ليس فيها علم لأحد، فليس فيها علم من عند الله، وليس فيها علم يتخذه إنسان لنفسه، قال الله:{لَا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً}[طه:١٠٧].
فالناس يحشرون حفاة عراة غرلاً بهما، وكونهم عراة يستوجب -وفق مقاييس الدنيا- أن ينظر بعضهم إلى بعض، ولكن مقاييس الدنيا لا تطبق على الآخرة، فقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم بما استقر عندها من مقاييس الدنيا، فقالت:(الرجال والنساء عراة ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال صلى الله عليه وسلم: يا عائشة! الأمر أعظم من ذلك) أي: لا يمكن أن يكون أحد لديه من فراغ القلب آنذاك ما ينظر به إلى من حوله، فكل امرئ مشغول بنفسه، وهذا يبين لك عظمة أهوال يوم القيامة، فالناس عندما يحشرون لم يكونوا قد عهدوا حشراً سابقاً يقيسون عليه، فلا يدرون أين يذهبون، وقد شبههم الله في القرآن مرتين، فقال في القارعة:{كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}[القارعة:٤] والفراش غير منتظم، فلا يدري أين يذهب، بل يحوم بعضه حول بعض، فالناس يخرجون ينتشرون ميمنة وميسرة، ثم لا يلبثون أن يستمعوا إلى إسرافيل يقودهم إلى أرض المحشر، فعندما يستمعون إلى إسرافيل عليه السلام يقودهم إلى أرض المحشر ينتظمون، فانتقلوا إلى حالة أخرى، قال الله:{كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ}[القمر:٧]، والجراد يمشي على هيئة جماعات منتظمة، وبهذا يمكن الجمع بين وصفي القرآن.
فيقودهم إسرافيل عليه السلام إلى أرض المحشر، وهذا ما أخبر الله عنه بقوله:{يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً}[طه:١٠٨] وأفضل ما فسر به قول الله جل وعلا: {إِلَّا هَمْساً}[طه:١٠٨] أنه وقع أقدامهم الحافية على تراب المحشر، وقيل غير ذلك، ولكن هذا في ظني أقرب إلى الصواب، والعلم عند الله.
فيسوقهم إسرافيل إلى أرض المحشر ولم يسبق لهم أن جُمعوا، ولم يسبق لهم أن حشروا، وينتظرون مجيء الجبار جل جلاله ليفصل ويحكم تبارك وتعالى بين عباده.
علمنا الله وإياكم ما ينفعنا، ونفعنا بما علمنا، وصلى الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.