والمسألة التي قصدتها بقولي إنها لم تصح عنه الصحة الاصطلاحية: هي رسم المعوِّذتين في المصحف، فهذا صحيح عنه صحة إسنادية، ينظر تخريجه فيما علقته على "المصنف" (٣٠٨٢٨)، لكنها ليست صحة متنية، فمن المعلوم اشتراط سلامة السند والمتن من الشذوذ، الذي هو مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، وهذه المسألة سلم إسنادها، لكن لم يسلم متنها، ذلك أنه خبر مخالف لما تواتر تواترًا يقينيًّا عن ابن مسعود، فقد تواترت عنه قرآنيتهما في ست قراءات من القراءات العشرة المتواترة، قراءة: عاصم، وأبي عمرو ابن العلاء، وحمزة، والكسائي، ويعقوب، وخلف، ولكل واحد من هؤلاء طرقٌ إلى ابن مسعود. فقرآنيتُهما متواترة لا شك ولا ريب، وإذا خالف الراوي الثقةُ الراوي الأوثق: رددنا رواية الثقة بأنها شاذة، فكيف إذا خالف الثقة الرواية المتواترة! ! فهذا أشدّ شذوذًا ونكارة وبطلانًا وردًّا، والأمر المتعيِّن هنا: إما الردّ بالإبطال والشذوذ متنًا، وإما ترجيح ما ذهب إليه ابن حجر في "فتح الباري" ٨: ٧٤٣ (٤٩٧٧)، وهو: إنكار ابن مسعود لإثباتهما في المصحف، لا غير، والأمر سهل، ويكون ذلك بسبب عارض، الله أعلم به، وإما الإتيان بجواب آخر مقنع. والله أعلم. وأما بعض المسائل التي لم ينفرد بها: فمسألة الزواج من الأم بعد العقد على البنت ولَمَّا يدخلْ بها، فهذا رُوي عن غير ابن مسعود أيضًا، وتنظر الآثار الواردة فيها في المصنَّفَيْن خاصة. وكذلك دعواه على ابن مسعود أنه نسي كيف كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى} مع أنها متواترة عنه بهذه الصيغة، في القراءات الستة السابقة: ففي "صحيح" مسلم ١: ٥٦٥ (٢٨٢) أن علقمة قدم الشام، فلقيه أبو الدرداء وسأله: كيف سمعتَ عبد الله بن مسعود يقرأ الآية: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}؟ فقال علقمة: سمعته يقرأ: (والليل إذا يغشى* والذكر والأنثى)، قال أبو الدرداء: وأنا والله هكذا سمعت =