للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل: لمّا نزل قوله عزّ وجلّ: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ} الآية، قالت اليهود: نحن نؤمن بالغيب ونقيم الصلاة وننفق مما رزقنا الله؛ فأنزل الله تعالى:

{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ،} والذي أنزل إليه القرآن والذي أنزل من قبله التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزّلة؛ فنفروا من ذلك. فإن قيل: لم قال: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} (٤)،ولم يقل يؤمنون؟ قيل: لأنّ الإيقان توكيد الإيمان؛ واليقين بالآخرة يقين خبر ودلالة، ومعنى الآية: وبالدار الآخرة هم يعلمون ويستيقنون أنّها كائنة (١).

قوله تعالى: {أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٥).

أي أهل هذه الصفة على رشد وثبات وصواب من ربهم. والمفلحون: الناجون الفائزون بالجنة، ونجوا من النار. وقيل: هم الباقون بالثواب والنعيم المقيم.

قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} (٦)،يعني مشركي العرب. وقال الضحّاك: (نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته).وقال الكلبيّ (٢): (يعني اليهود) وقيل: المنافقين. والكفر: هو الجحود والإنكار (٣).قوله تعالى: {(أَأَنْذَرْتَهُمْ)} الإنذار: التحذير والتخويف. {(أَمْ لَمْ}


(١) اليقين: هو العلم بالشيء بعد أن كان صاحبه شاكّا فيه؛ فلذلك لا تقول: تيقّنت وجود نفسي، وتيقّنت أن السماء فوقي، ويقال ذلك في العلم الحادث، سواء أكان ذلك العلم ضروريا أم استدلاليا. فالإيقان واليقين علم من استدلال ونظر؛ لهذا قد يعبر باليقين عن الظن؛ ومنه قول قسم من الفقهاء في اليمين اللغو: «هو أن يحلف بالله على أمر يوقنه ثم يتبيّن له أنه خلاف ذلك، فلا شيء عليه». الجامع لأحكام القرآن: ج ١ ص ١٨١.واللباب في علوم الكتاب للحنبلي: ج ١ ص ٣٠١.
(٢) هو محمّد بن السائب الكلبي، أحد المفسرين الذين يرجع تفسيرهم إلى تفسير ابن عباس، وترجع شهرته أيضا إلى كونه مؤرخا ونسّابة وجغرافيا، كان له ميل إلى التشيع بالمفهوم القديم. أما روايته فكثيرا ما توصف بأنّها ضعيفة، عاش قبل سنة (٦٦) من الهجرة إلى (١٤٦) من الهجرة، وله كتاب في التفسير.
(٣) الكفر في اللغة: ستر الشيء، وفي الشريعة عدم الإيمان عما من شأنه يجب الإيمان به. ووصف الليل بالكافر لستره الأشخاص؛ لأن أصله في كلام العرب الستر والتغطية. والكافر أيضا البحر والنهر العظيم. والكافر: الزّارع. والجمع الكفار، قال الله تعالى: كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>