للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صلّى الله عليه وسلّم فحلّه بيده، فقال أبو لبابة: (تمام توبتي أن أهجر دار قومي الّتي أصبت فيها الذنب، وأن أتخلّع من مالي) فقال صلّى الله عليه وسلّم: [يجزيك الثّلث أن تتصدّق به] (١).

وقال ابن عبّاس: (معنى الآية: لا تخونوا الله بترك فرائضه، والرّسول بترك سنّته) (٢). {(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)} أي ولا تخونوا أماناتكم، انتصب على الظّرف؛ أي إنّكم إن فعلتم ذلك فإنما خنتم أماناتكم عطفا.

ويقال: أراد بقوله: {(لا تَخُونُوا اللهَ)} الخيانة من الغنائم التي هي عطيّة الله، والخيانة لله فيها خيانة الرسول أيضا؛ لأنه هو القيّم بقسمتها، وقوله: {(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)} يحتمل الخيانة في الغنائم أيضا؛ لأنّهم كلّهم مشتركون فيها، فمن استبدّ بشيء منها فقد خان، ويحتمل الخيانة في أثمان بعض الناس بعضا من حقوق أنفسهم، وقال الأخفش: (قوله تعالى {(وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ)} عطفا على ما قبله من النّهي، تقديره: ولا تخونوا أماناتكم).

قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ؛} معناه: أنّ الإنسان ربّما يترك الجهاد ويخون في الأمانات لأجل الأولاد أو حرصا على المال، وقد روينا أنّ أبا لبابة إنما حمله على ما فعل ماله وأهله وولده الذين كانوا في بني قريظة؛ لأنه إنما ناصحهم لأجلهم وخان المسلمين بسببهم.

قوله تعالى: {وَأَنَّ اللهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} (٢٨)؛أي ثواب جسيم في الآخرة لمن لم يعص الله لأجل المال والذرّية.

قوله عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ؛} أي إن تتّقوا الله في الأمانات، فتمتنعوا من معاصيه بأداء فرائضه يجعل لكم نورا في قلوبكم تفرّقون به بين الحقّ والباطل. وقيل: يجعل لكم فتحا ونصرا، كما قال تعالى: {يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ} (٣) أراد به يوم عزّ المؤمنين وخذلان الكافرين.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (١٢٣٥٩).والواحدي في أسباب النزول: ص ١٥٨.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٢٣٦٨) بمعناه.
(٣) الأنفال ٤١/.

<<  <  ج: ص:  >  >>