قوله تعالى: {(إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً)} قال المفسّرون: رأى يوسف عليه السّلام هذه الرّؤيا وهو ابن اثنى عشر سنة، قال ابن عبّاس:(وذلك أنّه قال لأبيه: يا أبت إنّي رأيت في المنام أحد عشر كوكبا نزلت من أماكنها فسجدت لي، ورأيت {وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ؛} نزلا من أماكنهما فسجدا لي، وأراد بذلك سجدة التّحيّة والعبادة لله عزّ وجلّ، كما يقوم الملائكة بالسّجود لآدم عليه السّلام).
قال:(وكانت الرّؤيا ليلة القدر ليلة الجمعة، وكان تأويل رؤياه عند يعقوب:
أنّ الشّمس والقمر هو في حالته، وأنّ أمّ يوسف وهي راحيل كانت قد ماتت، وأنّ الأحد عشر كوكبا إخوة يوسف وكانوا أحد عشر أخا، وإنّهم كلّهم سيخضعون ليوسف).وإنّما تأوّلها يعقوب على ذلك؛ لأنّه لا شيء أضوأ من الشّمس والقمر، ويهتدي بضوئهما أهل الأرض، ثمّ لا شيء بعدهما أضوأ من الكواكب، فدلّت رؤياه على أنّ الّذي يخضعون له أئمّة الهدى الّذين يهتدي النّاس بهم.
قوله تعالى:{رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ}(٤)؛ثانيا ليس بتكرار؛ لأنه أراد بالرّؤية الثانية رؤية سجودهم له، وإنما حملت الآية على الرؤيا لا على رؤية العين؛ لأنا نعلم أن الكواكب لا تسجد حقيقة للآدميّين، ولهذا قال يعقوب:(لا تقصص رؤياك على إخوتك).
وعن ابن عبّاس أنّه قال:(لمّا قصّ يوسف رؤياه على أبيه نهره وزجره لئلاّ يفطن إخوته، وقال له في السّرّ: إذا رأيت رؤيا بعدها لا تقصص رؤياك على إخوتك).فذلك قوله تعالى:{قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً؛} لأن رؤيا الأنبياء وحي، يعلم يعقوب أن الإخوة إذا سمعوا بها حسدوه فأمره بالكتمان، وإنما كان قصّها على يعقوب فقط، وهذا القول أقرب إلى ظاهر الآية، أي لا تخبرهم بذلك لئلاّ يحملهم الحسد إلى قصدك بسوء، ومن الخضوع له على إنزال التثريب عليه والاحتيال لهلاكه، والكيد: هو طلب الشرّ بالإنسان على جهة الغيظ عليه.