قوله تعالى:{يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ}(٣٩)؛وذلك أنّ يوسف عليه السّلام رأى أهل السّجن وبين أيديهم أصنام يعبدونها، فدعاهم إلى الإسلام وألزمهم الحجّة، فقال لهم: أرباب متفرّقون شتّى لا تضرّ ولا تنفع خير أم الله الواحد القهّار الذي لا ثاني له؟
ثم بيّن عجز الأصنام وضعفها فقال:{ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ؛} آلهة من غير أن يكون لتلك التسمية حقيقة، {ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ} أي من حجّة وبرهان، {إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ} أي ما القضاء والأمر والنّهي إلا لله، {أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ}. قوله تعالى:
{ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ؛} أي الذي أدعوكم إليه هو الدّين القائم الذي يرضاه لا عوج فيه، {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ}(٤٠).
قوله تعالى:{يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ؛} معنى الآية: أما أحدكما وهو السّاقي، فيسقي سيّده يعني الملك خمرا، وأما العناقيد الثلاثة التي رآها فإنّها ثلاثة أيام يبقى في السجن، ثم يخرجه الملك ويعود في ما كان عليه، وأما الآخر فيصلب والسّلال التي رآها فإنّها ثلاثة أيّام يبقى في السجن، ثم يخرجه الملك في اليوم الرابع فيصلبه فتأكل الطير من رأسه.
فقال الخبّاز: إنّي لم أر شيئا، فقال لهما يوسف:{قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ}(٤١)؛أي فرغ من الأمر الذي سألتما عليه فهو كائن، رأيتما أو لم تريا.
قوله تعالى:{وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ} أي قال يوسف للذي علم أنه ناج منهما، وهو صاحب الشّراب: اذكرني عند سيّدك الملك أنّي مظلوم، عدا عليّ إخوتي فباعوني وأنا حرّ، وحبست في السجن.
قوله تعالى:{فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ؛} أي أنسى الشيطان السّاقي أن يذكر يوسف عند الملك؛ أي شغله عن ذلك بما كان يدعوه إليه من اشتغاله بركوب سوأته وخدمته للملك. وقيل: معناه أنسى الشيطان يوسف ذكر ربه حتى