للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلاب فإنّه كان شيخا صدوقا، فنسألهم عن ما تقول: أحقّ هو أم باطل؟ فإن صنعت لنا ما سألناك وصدّقوك صدّقناك، وعرفنا بذلك منزلتك عند الله بأنّه بعثك رسولا كما تقول. فقال صلّى الله عليه وسلّم: [ما بهذا بعثت، إنّما جئتكم من عند الله بما بعثني].

قالوا: وإن لم تفعل هذا فاسأل ربّك يبعث ملكا يصدّقك، ويعينك عمّا نرى بك، فإنّك تقوم في الأسواق تتلمّس المعاش. فقال صلّى الله عليه وسلّم: [ما أنا بالّذي يسأل الله هذا، ولكنّ الله بعثني بشيرا ونذيرا].

قالوا: فأسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا، كما زعمت أنّ الله ما شاء فعل! فقال صلّى الله عليه وسلّم: [ذلك إلى الله، إن شاء فعله بكم] فقالوا: قد أعذرنا إليك يا محمّد، أما والله ما نتركك وما فعلت بنا حتّى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائل منهم: لن نؤمن حتّى تأتي بالله والملائكة قبيلا.

فلمّا قالوا ذلك قام النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقام معه عبد الله بن أميّة المخزوميّ، وهو ابن عمّته عاتكة بنت عبد المطّلب، فقال له: يا محمّد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبل منهم، ثمّ سألوك أمورا لأنفسهم؛ ليعرفوا بها منزلتك من الله فلم تفعل، ثمّ سألوك أن تعجّل لهم ما خوّفتهم به من العذاب فلم تفعل، فو الله لا أؤمن بك أبدا حتّى تتّخذ سلّما إلى السّماء، ثمّ ترقى فيه وأنا أنظر حتّى تلج بابها، أو تأتي معك بنسخة منشورة، ونفر من الملائكة يشهدون أنّك نبيّ كما تقول، وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أنّي لا أصدّقك.

ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى منزله حزينا لما ناله من سفاهة قومه وتباعدهم من الله، فقال أبو جهل حين قام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا معشر قريش إنّ محمّدا قد أتى إلى ما ترون من عيب ديننا وشتم آبائنا وتسفيه أحلامنا وتتبيب آلهتنا، إنّي أعاهد الله لأجلس له بحجر غدا قدر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته رضخت به رأسه.

فأنزل الله هذه الآية {(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً)} (١).


(١) في الدر المنثور: ج ٥ ص ٣٣٧ - ٣٣٩؛ قال السيوطي: (أخرجه ابن جرير وابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس) وذكره. وأخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (١٧١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>