قوله تعالى: {(فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا)} أي جبريل عليه السّلام، خصّ بالإضافة إلى الله تعالى تشريفا له، وسمّي روحا؛ لأن الناس يحيون بما جاء في أديانهم، كما يحيون بأرواح أبدانهم.
قوله تعالى:{قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا}(١٩) أي لأهب لك بأمر الله ولدا صالحا طاهرا من الذنوب. ومن قرأ:(ليهب لك غلاما زكيّا) فالمعنى ليهب الله لك.
قوله تعالى:{قالَتْ أَنّى يَكُونُ لِي غُلامٌ؛} أي من أين يكون لي ولد، {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؛} ولم يقربني زوج، {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا}(٢٠)؛أي ولم أكن فاجرة زانية، والباغية هي الطالبة للزّنى. قال ابن عبّاس:(قالت مريم ليس لي زوج، ولست بزانية، ولا يكون الولد إلاّ من الزّوج أو الزّنى).
قوله تعالى:{قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ؛} أي قال لها جبريل، كما قلت لك قال ربّك:{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ؛} أي خلقه عليّ هيّن من غير هاتين الجهتين، كخلق آدم، لا أب ولا أمّ. قوله تعالى:{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ وَرَحْمَةً مِنّا؛} أي لنجعله دلالة على قدرتنا ورحمة للخلق، وقيل: ورحمة لمن اتّبعه على دينه وصدقه وكان خلقه، {وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا}(٢١)؛أي محكوما به مفروغا منه، سابقا في علم الله أن يقع.
قوله تعالى:{*فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا}(٢٢)؛وذلك أنّها لمّا سمعت كلام جبريل اطمأنّت إلى قوله، فدنا منها ونفخ في جيبها، فوصلت تلك النفخة إلى بطنها فحملت بعيسى عليه السّلام. وقيل: نفخ جبريل بها من بعيد فوصلت النفخة إليها فحملت. فلما ظهر حملها انتبذت أي خرجت وانفردت، وتنحّت بولادتها إلى مكان بعيد من الناس. والانتباذ: مأخوذ من نبذت الشيء إذا رميت به، وجلس نبذة أي ناحية، والقاصي والقصيّ خلاف الدّاني.
واختلفوا في مدّة حملها، فقال بعضهم: تسعة أشهر كحمل سائر النّساء على ما جرت به العادة، وقال: بعضهم ثمانية أشهر، وكان ذلك آية أخرى؛ لأنه لم يعش