للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ؛} أي أطباق من النار تلهب عليهم، {وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ؛} أي مهاد من النار. يريد بذلك أنّهم جعلوا بين أطباق جهنّم، فأحاطت بهم النار من كلّ جانب.

وإنما سمي الذي من تحتهم ظلا لأنه ظلل لا يكون أسفل منهم. وقوله تعالى:

{ذلِكَ يُخَوِّفُ اللهُ بِهِ عِبادَهُ؛} أي ذلك الذي ذكر من عذاب الكفّار تخويف للمؤمنين ليخافوه فيتّقونه بالطاعة والتوحيد. ثم أمرهم بذلك فقال: {يا عِبادِ فَاتَّقُونِ} (١٦)؛أي اتّقوا عذابي بامتثال أوامري.

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها؛} يعني اجتنبوا كلّ ما يعبد من دون الله، {وَأَنابُوا إِلَى اللهِ؛} أي ورجعوا إلى طاعة الله بعزائمهم وأقوالهم وأفعالهم، {لَهُمُ الْبُشْرى،} بالجنّة،

{فَبَشِّرْ عِبادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ؛} وذلك لأنّ القرآن يشتمل على ذكر المباحات والطّاعات، والمباحات حسنة، والطاعات أحسن، واستحقاق الثواب يتعلّق بفعل الأحسن.

ويجوز أن يكون معنى الآية: أن العفو عن القصاص أحسن من استيفاء القصاص، والصبر أحسن من الانتصار، كما قال الله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى} (١)،وقال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٢)،وقال الله تعالى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} (٣) فجعل الأخذ بأحسن الطّريقين أعظم للصواب.

وقيل: معنى {(فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ)} أي أحسنه وكلّه حسن، قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللهُ؛} أي الذين وصفناهم، {وَأُولئِكَ،} هم الذين وفّقهم الله للصواب، {هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ} (١٨)؛أي ذوو العقول.


(١) البقرة ٢٣٧/.
(٢) الشورى ٤٣/.
(٣) البقرة ١٨٤/.

<<  <  ج: ص:  >  >>