للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن قرأ {(سَواءً)} بالنصب جعله مفعولا ثانيا، فجعله على تقدير: فجعل محياهم ومماتهم سواء، يعني أحسبوا أنّ حياتهم وموتهم كحياة المؤمنين وموتهم؛ كلاّ، وقوله تعالى: {ساءَ ما يَحْكُمُونَ} (٢١)؛أي بئس ما يقضون حين يرون أنّ لهم في الآخرة ما للمؤمنين،

{وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (٢٢).

قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ؛} وذلك أنّ أهل مكّة كانوا يعبدون الحجر والخشب، فإذا رأوا ما هو أحسن منه، رموا بالأوّل وعبدوا الثاني، فهم يعبدون ما تهواه أنفسهم، قال قتادة: (هو الكافر لا يهوى ما شاء إلاّ ركبه، يبنون العبادة على الهوى لا على الحجّة، فأنزل الله هذه الآية: {(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ))}.قال الحسن: (اتّخذ إلهه هواه لا يعرف إلهه بعقله وإنّما يعرفه بهواه).

وقوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ؛} أي خذله على ما سبق في عمله أنه ضالّ قبل أن يخلقه، {وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ؛} فلم يسمع الهدى؛ وعلى {وَقَلْبِهِ؛} فلم يعقل الهدى، {وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً؛} أي ظلمة فهو لا يبصر الهدى به. قوله تعالى: {فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ؛} أي من يهديه من بعد إضلال الله له، {أَفَلا تَذَكَّرُونَ} (٢٣)؛فتعرفوا قدرته على ما يشاء.

قوله تعالى: {وَقالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا؛} أي نموت نحن ويحيى آخرون ممّن يأتون بعدنا، وقال الزجّاج: (معناه نحيي ونميت، والواو للاجتماع) (١) والقائلون بهذا زنادقة قريش.

قوله تعالى: {وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ؛} أي إلاّ طول العمر واختلاف الليل والنهار، {وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ؛} أي لم يقولوه على علم علموه، بل قالوا ضلاّلا شاكّين.


(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>