ومن قرأ {(سَواءً)} بالنصب جعله مفعولا ثانيا، فجعله على تقدير: فجعل محياهم ومماتهم سواء، يعني أحسبوا أنّ حياتهم وموتهم كحياة المؤمنين وموتهم؛ كلاّ، وقوله تعالى:{ساءَ ما يَحْكُمُونَ}(٢١)؛أي بئس ما يقضون حين يرون أنّ لهم في الآخرة ما للمؤمنين،
قوله تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ؛} وذلك أنّ أهل مكّة كانوا يعبدون الحجر والخشب، فإذا رأوا ما هو أحسن منه، رموا بالأوّل وعبدوا الثاني، فهم يعبدون ما تهواه أنفسهم، قال قتادة:(هو الكافر لا يهوى ما شاء إلاّ ركبه، يبنون العبادة على الهوى لا على الحجّة، فأنزل الله هذه الآية: {(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ))}.قال الحسن:(اتّخذ إلهه هواه لا يعرف إلهه بعقله وإنّما يعرفه بهواه).
وقوله تعالى:{وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ؛} أي خذله على ما سبق في عمله أنه ضالّ قبل أن يخلقه، {وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ؛} فلم يسمع الهدى؛ وعلى {وَقَلْبِهِ؛} فلم يعقل الهدى، {وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً؛} أي ظلمة فهو لا يبصر الهدى به. قوله تعالى:{فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ؛} أي من يهديه من بعد إضلال الله له، {أَفَلا تَذَكَّرُونَ}(٢٣)؛فتعرفوا قدرته على ما يشاء.
قوله تعالى:{وَقالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا؛} أي نموت نحن ويحيى آخرون ممّن يأتون بعدنا، وقال الزجّاج:(معناه نحيي ونميت، والواو للاجتماع)(١) والقائلون بهذا زنادقة قريش.
قوله تعالى:{وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ؛} أي إلاّ طول العمر واختلاف الليل والنهار، {وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ؛} أي لم يقولوه على علم علموه، بل قالوا ضلاّلا شاكّين.
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٤ ص ٣٣٠.