للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ؛} بقتل سيّدهم كعب بن الأشرف، وكان ذلك أعظم شيء عليهم إذ أتاهم ما لم يظنّوه.

قوله تعالى: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ؛} وذلك أنّهم لمّا أيقنوا بالجلاء حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم، فجعلوا يخرّبونها من داخل، والمسلمون يخرّبونها من خارج. وقيل: إنّهم كانوا يهدمونها من داخل بأيديهم ليرموا المسلمين بأحجارها، ويهدمها المؤمنون ليتمكّنوا من قتالهم.

قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} (٢)؛معناه: فليعتبر بما أصاب بني النضير كلّ من له بصر بأمر الله، ولينظر إلى عاقبة الكفر والغدر (١) والطّعن في النبوّة، وليحذر كلّ قوم من الكفّار مثل صنيع بني النضير. والمعنى: تدبّروا وانظروا فيما صنع، نزل بهم يا أهل البيت والعقل والبصائر.

قوله تعالى: {(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ)}،قرأ العامّة بالتخفيف من الإخراب؛ أي يهدمونها، وقرأ الحسن وأبو عمرو «(يخرّبون)» بالتشديد من التّخريب، قال أبو عمرو:

وإنما اخترت التشديد؛ لأنّ الإخراب ترك الشيء خرابا بغير ساكن، وبنو النضير لم يتركوا منازلهم فيرتحلوا عنها، ولكنّهم خرّبوها بالنقض والهدم.

وقال بعضهم: التخريب والإخراب بمعنى، قال الزهريّ: (وذلك أنّهم لمّا أيقنوا بالخروج كانوا يهدمون أعمدة بيوتهم وينتزعون الخشب والآلات وينقضون السّقوف وينقبون الجدارات ويقتلعون الخشب حتّى الأوتاد لئلاّ يسكنها المسلمون حسدا وبغضاء، وكان المسلمون يخرّبون ما بقي من بنائهم) (٢).

وقوله تعالى: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا؛} معناه:

لولا أن قضى الله عليهم في اللّوح المحفوظ بالانتقال والخروج من أوطانهم إلى الشّام وخيبر لعذبهم في الدّنيا بالقتل والسّبي كما فعل ببني قريظة، {وَلَهُمْ؛} مع ما أصابهم في الدّنيا، {فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ} (٣)؛ولكن علم الله أن الجلاء أصلح.


(١) في المخطوط: (والقدر) وهو غير مناسب.
(٢) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ١٨ ص ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>