للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الآية: {(وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ)} يعني المدينة، وهي دار الهجرة، وتبوّأها الأنصار قبل المهاجرين. وتقدير الآية: والّذين تبوّءوا الدار من قبلهم والإيمان؛ لأن الأنصار لم يؤمنوا قبل المهاجرين، وعطف (الإيمان) على (الدّار) في الظاهر لا في المعنى؛ لأنّ الإيمان ليس بمكان تبوّؤ. والتقدير: وآثروا الإيمان واعتقدوا الإيمان.

قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ؛} معناه:

ويؤثرون المهاجرين على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم، ولو كان بهم فقر وحاجة إلى الدار والنّفقة، بيّن الله أن إيثارهم لم يكن عن غنى عن المال ولكن عن حاجة، فكان ذلك أعظم لأجرهم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: إنّي جائع فأطعمني؟ فبعث النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إلى أحد أزواجه: [هل عندكنّ شيء؟] فكلّهنّ قلن:

والّذي بعثك بالحقّ ما عندنا إلاّ الماء، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [ما عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يطعمك هذه اللّيلة] ثمّ قال: [من يضيف هذا هذه اللّيلة رحمه الله؟].

فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله،-قال في صحيح مسلم: هو أبو طلحة، وقيل: أبو أيّوب، والضّيف أبو هريرة (١) -فمضى به إلى منزله، فقال لأهله: هذا ضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأكرميه ولا تدّخري عنه شيئا، فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصّبية، قال: قومي فعلّليهم عن قوتهم حتّى يناموا، ثمّ أسرجي وأحضري الطّعام، فإذا قام الضّيف ليأكل قومي كأنّك تصلحين السّراج فأطفئيه، وتعالي نمضغ ألسنتنا لضيف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى يشبع.

فقامت إلى الصّبية فعلّلتهم حتّى ناموا ولم يطعموا شيئا، ثمّ قامت فأسرجت، فلمّا أخذ الضّيف ليأكل قامت كأنّها تصلح السّراج فأطفأته، وجعلا يمضغان ألسنتهما، فظنّ الضّيف أنّهما يأكلان معه، فأكل الضّيف حتّى شبع، وباتا طويّين.

فلمّا أصبحا غدوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا نظر إليهما تبسّم ثمّ قال: [لقد عجب الله من فلان وفلانة هذه اللّيلة فأنزل الله تعالى هذه الآية {وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ}


(١) أخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الأشربة: باب اكرام الضيف: الحديث (٢٠٥٤/ ١٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>