للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا؛} معناه: واطلبوا من أهل مكّة مهور النّساء اللاتي يخرجن منكم إليهم مرتدّات، وليسأل الكفّار منكم ما أنفقوا على نسائهم اللواتي خرجن إليكم مهاجرات، {ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ؛} بمصالحكم، {حَكِيمٌ} (١٠)؛فيما حكم بينكم وبينهم.

قال الزهريّ: (فلمّا نزلت هذه الآية أقرّ المسلمون بحكم الله، فأمّا المشركون فأبوا أن يقرّوا) (١) فأنزل الله تعالى: {وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا؛} معناه: إن ذهبت امرأة من نسائكم إلى الكفّار فعاقبتم أي فضحتم.

قال الزجّاج: (معناه: فكانت العقبى لكم، أي كانت الغلبة لكم حتى غنمتم) (٢)،فأعطوا أزواج الذين ذهبت نساؤهم مثل ما أنفقوا من المهور، قبل أن تقسم الغنائم، ثم اقسموا الغنائم كما أمر الله. وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ} (١١)؛أي اتّقوه في مخالفة ما أمركم به.

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ؛} وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا فتح مكّة، جلس عند الصّفا وإلى جنبه عمر رضي الله عنه والنّساء يأتين يبايعنه صلّى الله عليه وسلّم وفيهنّ هند بنت عتبة متنكّرة مع النّساء خوفا أن يعرفها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل هذه الآية، فقال صلّى الله عليه وسلّم: [أبايعكنّ على أن لا تشركن بالله شيئا] فقالت هند: أشركنا وعبدنا الآلهة فما أغنت عنّا شيئا.

فقال صلّى الله عليه وسلّم: [ولا تسرقن] فقالت هند: إنّ أبا سفيان رجل شحيح ممسك، وإنّي أصيب من ماله لغناه، ولا أدري أيحلّ لي أم لا؟ فقال أبو سفيان: ما أصبت من شيء فيما مضى أو قد بقي فهو لك حلال، فضحك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعرفها وقال:

[إنّك لهند بنت عتبة؟] قالت: فاعف عمّا سلف يا نبيّ الله عفا الله عنك.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٢٦٣٣٨).
(٢) قال الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٥ ص ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>