للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ؛} أي حرّم عليكم أكل لحم المنخنقة؛ وهي التي تنخنق بحبل أو شبكة فتموت من غير ذكاة، وأمّا الموقوذة؛ فهي المضروبة بالخشب حتّى تموت، قوله تعالى: {(وَالْمُتَرَدِّيَةُ)} هي التي تتردّى من جبل أو سطح أو في بئر فتموت قبل الذكاة. والتّردّي: هو السّقوط، مأخوذ من الرّداء وهو الهلاك، قال صلى الله عليه وسلم لعديّ بن حاتم: [إذا تردّت رميتك من جبل فوقعت في ماء فلا تأكل؛ فإنّك لا تدري أسهمك قتلها أم الماء] (١).

فصار هذا الكلام أصلا في كلّ موضع اجتمع فيه معنيان: أحدها حاظر، والآخر مبيح فأنّه تغلب جهة الحظر، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: [الحلال بيّن والحرام بيّن، وبينهما أمور مشبّهة، فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك، ألا وإنّ لكلّ ملك حمى، وإنّ حمى الله محارمه، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه] (٢) وعن عمر رضي الله عنه أنه قال: (كنّا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الرّبا) (٣).


(٣) -أحمد عن أصحابنا: (أنّ سلطانا لو دخل بلدا فذبح النّاس الذبائح تقرّبا إليه بذبحها وإراقة دمها؛ لم يحلّ تناول شيء منها؛ لأنّه قد أهلّ بها لغير الله وتقرّب بذبحها إلى غير الله).وكان يفرّق بين هذا وبين ما يذبحه الرجل لضيفه بمعنى: أنّ صاحب الضيف إنّما يتقرّب إلى ضيفه باللّحم دون إراقة الدم، ألا ترى أنه لو ذبح الشاة باسمه ونسبه ولم يقرّبها إليه لم يكن تقريبا إليه.
فأمّا ما يذبح لأجل الأمراء عند دخولهم البلاد، إنّما يتقرّبون إليهم بالذبح وإراقة الدّم دون اللّحم، فإنّ اللحم لا يحمل إليهم ولا يرجع إليهم شيء من منافعه، فلذلك افترقا. وكان يحكى عن بعض المشايخ: أن هذه المسألة وقعت ببعض بلاد ما وراء النّهر؛ فاختلف فيها فقهاؤها؛ فكتبوا إلى أئمّة بخارى؛ فأفتوا بتحريمها».
ويلاحظ أن أسلوب المفسر في عبارته يختلف عن أسلوب المصنف رحمه الله، فضلا عن وضوح الإدراج في السياق.
(١) أخرجه مسلم في الصحيح: كتاب الصيد: باب الصيد بالكلاب المعلمة: الحديث (١٩٢٩/ ٧).
(٢) أخرجه البخاري في الصحيح: كتاب الإيمان: باب فضل من استبرأ لدينه: الحديث (٥٢ و ٢٠٥١).ومسلم في الصحيح: المساقاة: باب أخذ الحلال وترك الشبهات: الحديث (١٥٩٩/ ١٠٧).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: البيوع: باب طعام الأمراء وأكل الربا: النص (١٤٦٨٣): «عن الشعبي قال: قال عمر: ... وذكره».

<<  <  ج: ص:  >  >>