للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنى الفسق: الخروج من الطاعة؛ وقوله تعالى: {ذلِكُمْ فِسْقٌ؛} إشارة إلى ما تقدّم ذكره من المعاصي والحرام. قوله تعالى: {(وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا)} في موضع رفع؛ أي وحرّم عليكم الاستقسام بالأزلام، والأزلام: هي القداح الّتي لا ريش لها ولا نصل، واحدها زلم، مثل عمر وزفر، وقيل: زلم مثل قلم. وقال ابن جبير: (هي حصى بيضاء كانوا يضربون بها).

قوله تعالى: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ؛} قال ابن عبّاس:

(نزلت هذه الآية يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكّة ومعه المسلمون وهو يوم الفتح، يئس الكفّار يومئذ من رجوع المسلمين إلى دينهم بما ظهر من علوّ الإسلام والمسلمين على سائر الأديان).وقال بعضهم: أراد به يوم حجّة الوداع، وقال الحسن: (أراد باليوم جميع زمان النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعصره، كما يقال: كانت حادثة كذا في يوم فلان، يراد به عصره).

وقوله تعالى: {فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ؛} أي ليكن خوفكم لله وحده؛ فقد أمنتم، وحوّل الله الخوف الذي كان يلحقكم إليهم بإظهار الإسلام. وقيل: معناه: لا تخشوهم بإظهار تحريم ما كانوا يبيحونه، وأسرعوا في ترك إظهار المحرّمات.

قوله عزّ وجلّ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً؛} قال ابن عبّاس: (نزلت هذه الآية على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو واقف بعرفة يوم عرفة؛ والنّاس وقوف رافعون أيديهم بالدّعاء، فبركت ناقة النّبيّ صلى الله عليه وسلم من ثقل هذه الآية بعد أن كاد عضدها يندقّ، ولم ينزل بعدها آية حلال ولا حرام، وعاش النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعدها واحدا وثمانين يوما، ثمّ قبضه الله تعالى إلى رحمته) (١).

قال طارق بن شهاب: (جاء يهوديّ إلى عمر رضي الله عنه فقال: يا أمير المؤمنين! آية تقرءونها لو أنزلت علينا لاتّخذنا يوم نزولها عيدا، فقال: وأيّ آية؟ قال: {(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)} الآية، قال عمر: هل علمت في أيّ يوم نزلت وفي أيّ مكان نزلت؟ إنّها نزلت يوم الجمعة يوم عرفة ونحن مع رسول الله


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (٨٧١٠) عن السدي عن أسماء بنت عميس.

<<  <  ج: ص:  >  >>