قوله تعالى:{قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا؛} أي قال الحواريّون: نريد بما سألناك أن نأكل من المائدة، وتسكن قلوبنا بما جئتنا به من المعجزات، {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا؛} بأنّك رسول الله، وقيل: صدقتنا في دعائك، وفيما دعوتنا من كفاية الله تعالى إيانا، {وَنَكُونَ عَلَيْها؛} على المائدة؛ {مِنَ الشّاهِدِينَ}(١١٣)؛إذا رجعنا إلى قومنا.
قوله تعالى:{قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا؛} أي قال عيسى: يا الله، إلاّ أنه أقيم الميم في آخره مقام النداء في أوّله، وقوله: {(أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ)} أي طعاما، {(تَكُونُ لَنا عِيداً)} أي نتّخذ اليوم الذي تنزل فيه المائدة يوم سرور لأزماننا ولمن يكون خلفنا. وروي:
(أنّ نزول المائدة كان في يوم الأحد، فاتّخذت النّصارى ذلك اليوم عيدا).وقرأ زيد ابن ثابت: «(لأولانا وأخرانا)».
وقوله تعالى:{وَآيَةً مِنْكَ؛} أي تكون المائدة دلالة وحجة لمن آمن على من كفر، {وَارْزُقْنا؛} أي اجعل ذلك رزقا لنا، وقيل: ارزقنا الشّكر عليه، {وَأَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ}(١١٤)؛وأنت أفضل المعطين والموفّقين.
قوله تعالى:{قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ؛} أي قال الله: يا عيسى إنّي منزل المائدة عليكم. قرأ أهل المدينة والشام وقتادة وعاصم: «(منزّلها)» بالتشديد؛ لأنها نزلت مرارا، والتفعيل يدلّ على التكثير مرّة بعد مرّة كقوله تعالى {وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً}(١).
وقرأ الباقون بالتخفيف كقوله: «(أنزل علينا)».
قوله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ}(١١٥)؛أي فمن يكفر بعد نزول المائدة، وقيل: بعد ما أكل من المائدة، فإنّي أعذّبه بجنس من العذاب لا أعذّب أحدا من عالمي زمانهم بذلك العذاب، وهو أن جعل الله من كفر منهم بعد نزول المائدة خنازير. وقيل: أراد بهذا عذاب الآخرة، كما روي عن ابن عمر أنه قال (أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة ثلاثة: المنافقون، ومن