للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كفر من أصحاب المائدة، وآل فرعون) (١).

وروي عن ابن عبّاس في سبب نزول المائدة: (أنّ عيسى كان إذا خرج اتّبعه خمسة آلاف رجل أو أكثر من أصحابه الّذين يقتدون به، وأهل الزّمانة والمرضى والبطارة، فسلك بهم ذات يوم القفار، ففني طعامهم وجاعوا جوعا شديدا، فأعلم النّاس تلاميذه الحواريّين قالوا: إن كان صاحبكم حقّا فليدع ربّه ينزّل علينا مائدة من السّماء، فكلّمه في ذلك رجل من الحواريّين يقال له: شمعون الصّفّار، فقال: قل لهم يتّقوا الله ولا يسألوا لأنفسهم البلاء، فإنّهم إن كفروا بعد نزولها عاقبهم الله.

فأخبرهم شمعون بذلك، فقالوا: {(نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا)}.

فقام عيسى عليه السلام فصلّى ركعتين، فأوحى الله إليه: {(إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ، فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)،} ثمّ أنزل الله مائدة من السّماء فوقها منديل، والنّاس ينظرون إليها وعيسى يبكي، حتّى استقرّت المائدة بين يدي عيسى وهو يقول: اللهمّ اجعلها رحمة، ثمّ كشف المنديل وقال: بسم الله، فإذا على المائدة سمكة مشويّة لا شوك فيها، والودك يسيل منها، والخلّ عند رأسها، والملح عند ذنبها، وعليها أربعة أرغفة، وعليها البقول إلاّ الكرّاث-قال عطيّة:

(كان في السّمكة طعم كلّ شيء).

فقال لهم عيسى: كلوا من رزق ربكم، فأكلوا منها، ورجعت المائدة كما كانت، فلمّا فرغ القوم إلى قرارهم، وبشّروا هذا الحديث لسائر النّاس، ضحك من لم يشهد، وقال: ويحكم! إنّه قد سحر أعينكم وأخذ بقلوبكم. فمن أراد الله به الخير ثبّته على الصّبر، ومن أراد فتنته رجع إلى كفره، فلعنهم عيسى فباتوا ليلتهم، ثمّ أصبحوا خنازير ينظر النّاس إليهم، الذكر ذكر والأنثى أنثى ويلعنوهم، فمكثوا كذلك ثلاثة أيّام ثمّ هلكوا، ولم يتوالدوا ولا طعموا ولا شربوا) (٢).


(١) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز: ص ٥٩٨.والبغوي في معالم التنزيل: ص ٤٠٨.والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٣٦٩.
(٢) الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٣٦٩ - ٣٧١.وفي الدر المنثور: ج ٣ ص ٢٣٢ - ٢٣٤؛ قال: «أخرجه الحكيم الترمذي في نوادره وابن أبي الشيخ في العظمة وأبو بكر الشافعي في فوائده المعروفة بالغيلانيات. وذكره بمعناه».

<<  <  ج: ص:  >  >>