للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأغنياء، فعظم ذلك على الأغنياء حتّى شكوا وشكّكوا النّاس فيها، وقالوا: ترون المائدة حقّا نزلت من السّماء؟!

فقال لهم عيسى عليه السلام: هلكتم بعذاب الله تعالى، فأوحى الله إليه: أنّي شرطت على المكذّبين شرطا أنّ من كفر بعد نزولها عذبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين.

فقال عيسى: إن تعذّبهم فإنّهم عبادك، وإن تغفر لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم.

فمسخ الله منهم ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون رجلا، باتوا من ليلتهم على فرشهم مع نسائهم، فأصبحوا في ديارهم خنازير يسعون في الطّرقات والكناسات، ويأكلون العذرة، فلمّا رأى النّاس ذلك فزعوا إلى عيسى عليه السلام، وبكى على الممسوخين أهلوهم، فلمّا أبصرت الخنازير عيسى عليه السلام بكت وجعلت تطيف بعيسى، وجعل عيسى يدعوهم بأسمائهم واحدا واحدا، فيبكون ويشيرون برءوسهم ولا يقدرون على الكلام، فعاشوا ثلاثة أيّام وهلكوا) (١).

قوله عزّ وجلّ: {وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؛} أوّل هذه الآية معطوف على قوله: {(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ)} ويجوز أن يكون عائدا على ما تقدّم من قوله:

{(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ)} كأنه قال: إذ يقول الله يوم القيامة، وفي آخر السّورة ما يدلّ على هذا، وهو قوله تعالى: {(قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)} وذكر اللفظ على صيغة الماضي؛ لتحقّق أمره كأنه قد وقع وشوهد، ونظيره {وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ} (٢) وقوله: {وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ} (٣) أي سيقول.

وقال السديّ وقطرب: (إنّ الله تعالى قال لعيسى عليه السلام هذا القول حين رفعه)،واحتجّا بقوله: {(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ)،} ولا خلاف أنّ الله لا يغفر لمشرك مات على شركه، وإنما معنى الآية: وإن تغفر لهم بتوبتهم.


(١) أخرجه الشيخ الأصبهاني في كتاب العظمة: ذكر المائدة وصفتها: ص ٣٦٣:الحديث (١٠١١/ ١) مع تغاير في بعض الألفاظ.
(٢) الأعراف ٤٤/.
(٣) ابراهيم ٢٢/.

<<  <  ج: ص:  >  >>