للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أكثر المفسّرين: إنّما يقول الله تعالى هذه المقالة يوم القيامة، بدليل ما ذكرنا من قوله: {(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ)،} {(يَوْمُ يَنْفَعُ الصّادِقِينَ صِدْقُهُمْ)،} فإن قالوا (إذ) للماضي، قلنا قد تكون بمعنى (إذا) كقوله: {وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ} (١) أي إذا فزعوا.

قوله تعالى: {(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ)} يعني أأنت قلت لهم في الدّنيا: {(اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) فإن قيل: ما وجه سؤال الله تعالى لعيسى مع علمه بأنه لم يقل؟ قيل: ذلك توبيخ لقوم عيسى وتحذير لهم عن هذه المقالة. وقيل: أراد الله بذلك أن يقرّ عيسى بالعبوديّة على نفسه، فيظهر منه تكذيبهم بذلك، فيكون حجّة عليهم.

قال أبو روق وميسرة: (إذ قال الله لعيسى عليه السلام: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ}؟ ارتعدت مفاصله، وانفجرت من كلّ شعرة من جسده عين من الدّم) (٢).

ثمّ يقول عيسى عليه السلام مجيبا الله عزّ وجلّ: {قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ؛} أي تنزيها لك يا رب، ما ينبغي لي أن أدّعي شيئا لست بجدير له، {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي؛} عندي وما في ضميري، وما كان منّي في الدّنيا، {وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ؛} غيبك، {إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ} (١١٦)؛لا يعلم الغيب أحد غيرك. وقيل: معناه: تعلم ما أريد، ولا أعلم ما تريد، {(إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ)} أي ما كان وما يكون.

وأمّا ذكر النفس في قوله: {(وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ)} فعلى من أوجه الكلام: بأن الغيب من الله تعالى في حكم الضمير من الآدميّين، والنّفس في كلام العرب على ضروب؛ تذكر ويراد بها ذات الشيء، كما يقال: جاءني زيد نفسه؛ أي ذاته، وقتل فلان نفسه، وأهلك فلان نفسه، ويراد بذلك الذات بكمالها. وتذكر ويراد بها الروح،


(١) سبأ ٥١/.
(٢) ينظر: الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٣٧٥، بلفظ قريب منه. وأخرجه الطبري في جامع البيان: النص (١٠١٤٧) عن ميسرة. وفي الدر المنثور: ج ٣ ص ٢٣٨؛ قال السيوطي: «أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ».

<<  <  ج: ص:  >  >>