للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ} (١) أي ينيمكم، ووفاة الرّفع كقوله:

{يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} (٢).

قوله تعالى: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ؛} قرأ الحسن: «(عبدك)»،قيل:

معناه التبعيض؛ أي إن تعذّب الذين أقاموا على الكفر فإنّهم عبادك، {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ؛} للّذين أسلموا وتابوا، {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (١١٨)؛لأنه قال:

{(أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنّاسِ)،} وما قلت لهم، وفيهم المسلمون والمشركون، فقوله: {(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ)} راجع إلى الكافرين، وقوله: {(وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ)} راجع إلى المؤمنين.

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما في معنى هذه الآية: (وإن تعذّبهم على هذه المقالة الّتي أجزموها فإنّهم عبادك، وإن يتوبوا فتغفر لهم) (٣).قوله: {(فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)} أي المنيع في مغفرتك لهم لا يمنعك أحد مما تريد، الحكيم في أمرك.

فإن قيل: ظاهر الآية يقتضي سؤال المغفرة للكفّار، والله لا يغفر أن يشرك به، فما معنى هذا السؤال؟ قيل: يحتمل أنه لم يكن في كتابه: إنّ الله لا يغفر أن يشرك به، ويحتمل أن يكون معناه: إن تغفر لهم كذبهم الذي قالوا عليّ.

وقيل: إنّ عيسى علم أنه منهم من آمن، ومنهم من أقام على الكفر، فكأنه قال:

إن تعذّب الكفار منهم فإنّهم عبادك، وأنت القادر عليهم، وإن تغفر لمن تاب منهم فذلك تفضّل منك؛ لأنه كان لك أن لا تفعل ذلك بهم بعد عظيم فريتهم عليك، وكان هذا القول من عيسى عليه السلام على وجه الخضوع والانقياد والاستسلام على معنى أنّك أنت المالك والقادر على كلّ شيء، فلذلك قال: {(فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)،} ولو كان قال: فإنك أنت الغفور الرحيم، لأوهم الدعاء بطلب المغفرة والرحمة.


(١) الأنعام ٦٠/.
(٢) آل عمران ٥٥/.
(٣) في الدر المنثور: ج ٣ ص ٢٤١؛ قال السيوطي: «أخرجه أبو الشيخ، وذكره بمعناه».

<<  <  ج: ص:  >  >>