للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسأل أبو العيناء بعض الوزراء أن يكتب له كتاباً إلى عامل له في رجل يطلب تسريحه فكتب إليه، فلما خرج قال: أخشى أن يكون كصحيفة المتلمس، ففتحه فإذا فيه: أما بعد فقد سألنا من لا نوجب حقه في رجل لا نعرفه، فإن فعلت خيراً لم نشكرك، وإن فعلت شراً لم نلمك، فرجع به إلى الوزير وقال له: ما هذا الذي كتبت أيها الوزير؟ فقال: تلك علامة بيني وبين العامل إذا أراد قضاء حاجة إنسان، فإن السؤال كثير، فقال أبو العيناء: لعن الله الوزير، وقطع يديه ورجليه، وأعمى عينيه، وأصم أذنيه، فقال الوزير: ما هذا الدعاء؟ فقال: هذه علامة بيني وبين ربّي إذا أردت أن يستجيب لي في قضاء حاجة إنسان.

وأتى رجل إلى النخاس فقال له: اطلب لي حماراً ليس بالصغير المحتقر، ولا الكبير المسرف، إن خلا لَهُ الطريقُ تدفق، وإن كثر الزحام ترفق، وإن قللت علفه صبر، وإن أكثرته شكر، وإن ركبته هام، وإن ركبه غيري نام، لا يصادم السواري، ولا يدخل تحت البواري فقال له النخاس: يا عبد الله، اصبر، فإن مسخ الله القاضي حماراً أصبت لك حاجتك إن شاء الله.

ومثل هذا ما روي أن رجلاً أراد شراء فرس فقال له النخاس: صف لي بغيتك منه، فقال: أريده حسن القميص، جيد الفصوص وثيق القصب نقي العصب، يشير بأذنيه، ويشرف برأسه ويخطر بيديه، ويدحو برجليه، كأنه مرج في لجة، أو سَيْلٌ في حَدُورٍ أو منحط من جبل، فقال له النخاس: نعم كذلك كان صلوات الله عليه وسلامه فقال: إنما وصفت لك فرساً، " فقال ": والله ما كنت أحسب إلاّ أنك تذكر صفة نبي من الأنبياء.

وأُخِذ بعض الشطار فحُمل إلى الكاتب ليسجّل نعته، فأغلق عينه اليمنى فكتب الكاتب: أعور العين اليمنى، فلما علم الشاطر أنه قد كتب ذلك فتح اليمنى وأغلق اليسرى، فلما نظر إليه الكاتب توهم أنه غلط فمحا اليمنى وكتب اليسرى، فأغلق الشاطر اليمنى وفتح اليسرى، فنظر الكاتب إليه " فقال: لعن الله الشيطان، أفسدت ما كان صحيحاً، فكتب اليمنى فأغلق الشاطر اليسرى، فتحير الكاتب " ولم يدر ما يفعل فكتب: أعور من أي عينيه شاء.

وأُخذ قوم محاربون فقدموا لتضرب أعناقهم فقال واحد منهم: والله ما كنت إلاّ أغني لهم، فقيل له: فغَنِّ إذن فلم يجرِ على لسانه غير قول القائل:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن مقتد

فقيل له: صدقت وضربت عنقه.

وذكرت الشيعة عند بعض شيوخ الإباضية قالوا: مخالفونا من أهل القبلة كفار، ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان، وكفروا علياً رضي الله عنه وأكثر الصحابة ".

في ح: " أول كلمة " بالتنكير فأنكرهم وسبهم جداً فقيل له في ذلك فقال: إن الشين أول الكلمة إنما توجد في مسخوط مثل شؤم وشر وشيطان وشح وشغب وشرك وشتم وشَيْن وشوك وشوصة وشكوى وشنآن قلت: وليس كما قال، بل هذا كثير، وضده وهو المحبوب أيضاً كثير، مثل شهد وشبع وشرب وشكر وشرف وشاب وشرع وشكد وشحم وشورى وشفاعة وشفقة وشغفر وشفاء، وفي أسمائه تعالى: الشكور الشهيد.

وخطب عتاب بن ورقاء الرياحي يوماً فقال وهو على المنبر: أقول لكم كما قال الله في كتابه:

ليس شيء على المنون بباق ... غير وجه المسبّح الخلاّق

فقيل له: أيها الأمير هذا قول عدي بن زيد فقال: ليقله من شاء فنعم القول هو.

وأتي يوماً بامرأة من الخوارج فقال لها: يا عدوة الله ما حملك على الخروج أما سمعت الله يقول:

كتب القتل والقتال علينا ... وعلى الغانيات جر الذيول

فقالت: جهلك بكتاب الله يا عدو الله حملني على الخروج عليك وعلى أئمتك.

ومثل هذا ما خطب علي بن زياد الأيادي فقال: أقول لكم مثل قول الرجل الصالح:) مَا أُرِيكُمْ إلاّ مَا أرَى وَمَا أُهْدِيكُمْ إلاّ سَبيلَ الرَّشَادِ (فقيل له: إنما قاله فرعون، فقال: يقوله من فاله فقد أحسن فيه.

وكان رجل يكثر مجالسة أبي يوسف ويطيل الصمت، فقال له يوماً ألا تسأل؟ قال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غربت الشمس، قال فإن لم تغرب إلى نصف الليل؟ فضحك أبو يوسف وتمثل بقول الشاعر:

عجبت إزراء الغبيّ بنفسه ... وصمت الذي قد كان بالعلم أعلما

وفي الصمت ستر للغبي وإنما ... صحيفة لب المرء أن يتكلما

<<  <   >  >>