للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم يتمايزون بعد ذلك، فمن كان من ولد نوح عليه السلام فهو أفضل نسباً من بقية ولد آدم لأن أولئك يعدون آدم وهؤلاء يعدون آدم ونوحاً، فإن كل ما يعده الأعلى يعده الأسفل ويزيد، فإن الأخص فيه ما في الأعم وزيادة، وهذا كما يقال في الحكمة في الأجناس المتوسطة والسافلة والأنواع الحقيقية والفصول: إن كل ما يتقدم به الأعلى يتقدم به الأسفل ويزيد، فالله تعالى قد قال:) إنّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْرَاهيِمَ وآلَ عِمْرَانَ عَلى العَالَمِينَ (فمن انتسب إلى آدم ونوح فقد انتسب إلى مصطفين، ثم من كان من ولد إبراهيم بعد ذلك فهو أفضل من بقية ولد نوح لأنه يعد آدم ونوحاً وإبراهيم عليهم السلام، وإلى هذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله حين قيل له: من أكرم الناس؟ " الكَرِيمُ ابْنُ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ ابْنِ الكَرِيمِ: يوسف بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، نَبِيٌّ ابْنُ نَبِيّ ابْن نَبِيّ ابْن نَبِيّ " وكلامه صلى الله عليه وسلم موافق لقوله تعالى: " إنَّ أكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أتْقَاكُمْ ". فإن الأنبياء هم أتقى الناس لأنهم أعلم، وإنما يَخْشَى اللهُ مِنْ عِبَاِدِه العُلَمَاءُ، فهم أكرمُ الناس، فمن انتسب إليهم كرم بنسبه إليهم وإن لم يكن نبياً، فكيف إذا كان هو أيضاً نبياً؟ فله الشرف الطارف والتليد، كيوسف عليه السلام، فصدق نبينا صلى الله عليه وسلم. ثم أولاد إبراهيم عليه السلام يتفاوتون في الشرف أيضاً بقدر أنسابهم فمن ازداد بنبي أو نبيين أو أكثر ازداد درجة في الشرف، فأما أولاد إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام فلهم الشرف في الجملة غير أن الأسباط أولاد يعقوب بن إسحاق لهم الشرف الشامخ، والمجد الباذخ، فإنهم فازوا بثلاثة أنبياء على نسق، ثم جل الأنبياء بعد ذلك فيهم، وقد قال الله تعالى لبني إسرائيل:) اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إذْ جَعَلَ فِيكُمْ أنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤتِ أحَداً مِنَ العَالَمِينَ (وقال تعالى:) يَا بَني إسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتي الَتي أنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأنّي فَضَّلْتُكُمْ عَلى العَالَمِينَ (إلى غير ذلك، وأولاد العيص بن إسحاق لهم شرف دونهم، ولم يكن فيهم نبي فيما يقال غير أيوب عليه السلام، وأما أولاد إسماعيل بن إبراهيم فلهم الشرف بإبراهيم وإسماعيل أولاً، ثم استكملوا الشرف آخراً بسيد الوجود وسر الكائنات سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم إليه يساق حديث الشرف العِد وباسمه يرسم عنوان صحيفة المجد، فيه شرف من قبله كما به شرف من بعده، وقد كان آدم يكنى به تشريفاً له بأشرف أولاده فيقال: أبو محمد، وكما يشرف الولد بشرف الوالد قد يشرف الوالد بشرف الولد، ولله در ابن الرومي في قوله:

وكم أب قد علا بابن ذرى حسب ... كما علت برسول الله عدنان

وسنزيد هذا بسطاً إن شاء الله تعالى، فمن اتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعده وهم الفاطميون أشرف الناس نسباً لأن غيره كبني إسرائيل وإن عد بكثرة الأنبياء فهو يعد بأشرف الأنبياء، والمنتسب إلى الأشرف يجب أن يكون أشرف، وهذا باعتبار النسب فقط، أما من حصلت له النبوة من بني إسرائيل فهو أشرف بذاته ممن ليس بنبي، إذ لا يعدل النبوءة إلاّ نبوءة أخرى. كما أن من كفر منهم فقد اختل نسبه، واضمحل حسبه، بالإضافة إلى من لم يكفر منهم، أما لو قيس هذا الكافر إلى كافر آخر قبطي أو نوبي أو نحوهما فالواجب أن يكون هذا أشرف نسباً، ولو قيس إلى مؤمن من هؤلاء لتعارض الوجهان، ولكن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وفي السيرة: قال المسلمون: هذا أبو سفيان وسهيل، وكان أبو سفيان لمّا يُسلِم، وقدموه لشرفه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هَذَا سُهَيْلٌ وأَبُو سُفْيَانَ، الإسْلامُ يَعْلُو وَلا يُعلى عَلَيْهِ " فانتبه لهذا الفصل فإني رمزته ولم أبسطه لأن بعضه موحش لمن لا فهم له.

<<  <   >  >>