للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تزوَّد من الدنيا التقى والنهى فقد ... تنكرت الدنيا وحان انقضاؤها

تَرَقَّ من الدنيا إلى أي غاية ... سموت إليها فالمنايا انتهاؤها

ومن كلفته النفس فوق كَفافِها ... فما ينقضي حتى الممات عناؤها

وقوله:

ألا إنما الدنيا متاع غرور ... ودار صعود مرة وحدور

كأني بيوم ما أخذت تأهباً ... له في رواح عاجل وبكور

كفى عِبْرة أن الحوادث لم تزَلْ ... تُصَيِّرُ أهل الملك أهل قبور

خليليَّ كم من ميت قد حضرته ... ولكنني لم أنتفع بحضور

ومن لم يزده الدهر ما عاش عبرة ... فذاك الذي لا يستنير بنور

وقوله أيضاً:

إني سألت القبر ما فعلت ... بعدي وجوه فيك منعفره

فأجابني: صيَّرتُ ريحهمُ ... تؤذيك بعد روائح عَطِره

وأكلت أجساداً منعمة ... كان النعيم يَزِينُها نضرَه

لم أبق غير جماجم عَرِيَت ... بيض تلوح وأعظمٍ نَخِره

وقوله أيضاً:

تفكر قبل أن تندم ... فإنك ميت فاعلم

ولا تغتر بالدنيا ... فإن صحيحها يسقم

وإن جديدها يبلى ... وإن شبابها يهرم

وإنّ نعيمها يفنى ... فترك نعيمها أحزم

ومن هذا الذي يبقى ... عل الحدثان أو يسلم

رأيت الناس اتباعاً إلاّ ما ... نوى في الخير أو قدَّم

وقوله:

إياك أعني يا ابن آدم فاستمع ... ودع الركون إلى الحياة فتنتفع

لو كان عمرك ألف حول كامل ... لم تذهب الأيام حتى تنقطع

إن المنية لا تزال ملحة ... حتى تستت كل شمل مجتمع

فاجعل لنفسك عدة للقاء من ... لو قد أتاك رسوله لم تمتنع

يا أيها المرء المضيع دينه ... إحراز دينك خير شيء تصطنع

فامهد لنفسك صالحاً تجزى به ... وانظر لنفسك أيّ أمر تتبع

واعلم بأن جميع ما قدمته ... عند الإله موفر " لك " لم يضع

" وله أيضاً:

كم يكون الشتاء ثم المصيف ... وربيع يمضي ويأتي خريف

وانتقال من الحرور إلى الظ ... ل وسيف الردى عليك منيف

يا قليل البقاء في هذه الدا ... ر إلى كم يغرك التسويف

عجباً لامرئ يذل لذي دن ... يا ويكفيه كل يوم رغيف

وقال أحمد بن علي بن مروان: دخلت مع إسماعيل بن سويد العنبري على أبي العتاهية وهو يجود بنفسه ويقول:

يا نفس قد مثلت حا ... لي هذه لك منذ حين

وشككت أني ناصح ... لك فاشتملت على الظنون

فتأملي ضعف الحرا ... ك ونجلتي بعد السكون

وتيقّني أن الذي ... بك من علامات المنون

ومن شعر محمود الوراق:

إن جيشاً إلى الممات مصيره ... لحقيق ألا يدوم سروره

وسرور يكون آخره المو ... ت سواء طويله وقصيره

وقوله:

أبقيت مالك ميراثاً لوارثه ... يا ليت شعري ما أبقى لك المال

القوم بعدك في حال تسرهم ... فكيف بعدهُم صارت بك الحال

ملوا البكاء فما يبكيك من أحد ... واستحكم القيل في الميراث والقال

مالت بهم عنك دنيا أقبلت لهم ... وأدبرت عنك، والأيام أحوال

" من ذلك قول بعضهم:

زيادة المرء في دنياه نقصان ... وربحه دون محض الدين خسران

وكل وجدان حظ لا ثبات له ... فإن معناه في التحقيق فقدان

يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً ... بالله هل لخراب الدهر عمران

ويا حريصاً على الأموال يجمعها ... نسيت أن سرور المال أحزان

دع الركون إلى الدنيا وزخرفها ... فصفوها كدر والوصل هجران

وأرْعِ سمعك أمثالاً أفصلها ... كما يفصل ياقوت ومَرْجان

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان

وكن على الدهر مِعواناً لذي أمل ... يرجو نداك فإن الحر مِعوان

من جاد بالمال مالَ الناس قاطبةً ... إليه والمال للإنسان فَتّان

من كان للخير منّاعاً فليس له ... عند الخليقة إخوان وأخدان

لا تخدشنَّ بمَطلٍ وجه عارفَةٍ ... فالبر يخدِشه مطْلٌ مليَان

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته ... أتطلب الربح فيما فيه خسران

<<  <   >  >>