للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أقبل على النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

من يتق الله يحمد في عواقبه ... ويكفه شر من عزّوا ومن هانوا

حسْبُ الفتى عقله خِلاًّ يعاشره ... إذا تجافاه أصحاب وأعوان

لا تستشر غير شخص حازم فطن ... قد استوى منه إسرار وإعلان

فللتدابير فرسانٌ إذا ركضوا ... فيها أبرّوا كما للحرب فرسان

وللأمور مواقيت مقدَّرة ... وكلّ أمر له حدّ وميزان

من رافق الرفق في كل الحوادث لم ... يندمْ عليه ولم يذمُمْه إنسان

ولا تكن عاجلاً في الأمر تطلبه ... فليس يحمد قبل النضج بحران

وذو القناعة راض في معيشته ... وصاحب الحرص إن أثرى فغضبان

كفى من العيش ما قد سد من رمق ... ففيه للحر إن حققت غُنيان

هما رضيعا لِبانٍ حكمةٌ وتُقىً ... وساكناً وطنٍ مالٌ وطغيان

من مد طرفاً بفرط الجهل نحو هوى ... أغضى عن الحق يوماً وهو خَزيان

من استشار صروف الدهر قام له ... على حقيقة طبع الدهر برهان

من عاشر الناس لاقى منهم نَصَباً ... لأن طبعهم بَغْي وعُدوان

ومن يفتش عن الإخوان مجتهداً ... فجعل إخوان هذا الدهر خوّان

من يزرع الشر يحصد في عواقبه ... ندامة ولحصد الزرع إبّان

من استنام إلى الأشرار نام وفي ... قميصه منهم صلٌّ وثعبان

من سالم الناس يسلم من غوائلهم ... وعاش وهو قريرُ العين جذلان

من كان للعقل سلطان عليه غدا ... وما على نفسه للحرص سلطان

وإن أساء مسيء فليكن لك في ... عروض زلته صفح وغفران

إذا نبا بكريم موطن فله ... وراءه في بسيط الأرض أوطان

لا تحسبن سروراً دائماً أبداً ... من سره زمن ساءته أزمان

يا ظالماً فرحاً بالعز ساعده ... إن كنت في سنَةٍ فالدهر يقظان

يا أيها العالم المرضيّ سيرته ... أبشر فأنت بغير الماء رَيّان

ويا أخل الجهل لو أصبحت في لججٍ ... فأنت ما بينها لا شك ظمآن

دع التكاسل في الخيرات تطلبها ... فليس يسعد بالخيرات كسلان

صُن حُرَّ وجهك لا تهتك غلائله ... فكل حر لحُر الوجه صَوّان

لا تحسب الناس طبعاً واحداً فلهم ... غرائز لست تحصيها وألوان

ما كلُّ ماء كصدّاء لوارده ... نعم ولا كل نبت فهو سعدان

من استعان بغير الله في طلب ... فإن ناصره عجز وخذلان

واشدد يديك بحبل الله معتصماً ... فإنه الركن إن خانتك أركان

لا ظل للمرء يغني عن تُقى ورضاً ... وإن أظلته أوراق وأفنان

سُحْبانْ من غير مال باقلٌ حَصِرٌ ... وباقِلٌ في ثراء المال سَحْبان

والناس أعوان من والتْه دولته ... وهم عليه إذا خانته أعوان

يا رافلاً في الشباب الوَحف منتشياً ... من كأسه هل أصاب الرشد نشوان

لا تغترر بشباب ناعم خضلٍ ... فكم تقدم قبل الشّيب شبان

ويا أخا الشيب لو ناصحت نفسك لم ... يكن لمثلك في الأشراف إخوان

هب الشبيبة تبدي عذر صاحبها ... ما بال شيبك يستهويه شيطان

كل الذنوب فإن الله يغفرها ... إن شيع المرء إخلاص وإيمان

وكل كسر فإن الله يَسْبُره ... وما لكسر قناة الدين جبران

أحسن إذا كان إمكان لقدرة ... فلا يدوم على الإنسان إمكان

فالروض يزدان بالأنوار فاغمةً ... والحر بالعدل والإحسان يزدان

خذها سوائرَ أمثال مُهذبة ... فيها لمن يبتغي التّبيان تِبيان

ما ضرّ حسانها والطبع صائغها ... أن لم يصغها قرِيعُ الشعر حسّان

وذيل عليها بعضهم فقال:

وكن لسنّة خير الخلق متبعاً ... فإنها لنجاة العبد عنوان

فهو الذي شمِلت للعبد أنعمه ... وعمهم منه في الدارين إحسان

جبينه قمر، قد زانه خَفَرٌ، ... وثغرُه دُرَرٌ غُرٌّ ومرجان

والبدر يخجل من أنوار طلعه ... والشمس من حسنه الوضاح تزدان

ومُذْ أتى أبصرت عُمْيُ القلوب به ... سُبْلَ الهدى وَوعَت للحقّ آذان

به توسّلُنا في محو زلتنا ... لربنا إنه ذو الجود منّان

<<  <   >  >>