للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

معجبا بحسنها، فأنكر رسول - صلى الله عليه وسلم - عليه ذلك بأقوى درجات الإنكار، فأخذ بذقن الفضل وصرف وجهه عنها.

ولكن الحكم الشرعي الذي أباح للخثعمية كشف وجهها والذي ذهل عنه أكثر أهل العلم المتأخرين، وانطوت آثاره في التصانيف المتأخرة، ولم يشر إليه بعض المتقدمين لما هو معلوم عندهمبالضرورة؛ هو ما بيناه في مناقشة البحث الخامس؛ أن الحجاب (تغطية الوجه) إنما هو فرض على النساء الحرائر دون الإماء. وهذا هو سبب كشف المرأة الخثعمية لوجهها (أنها كانت جارية؛ أي أمة مملوكة) (١) ولذلك لم يأمرها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتغطية وجهها لعدم وجوب ذلك على الإماء، وقد يكون والدها قد أعتق عند كبر سنه فلزمته فريضة الحج ولذلك قالت (إن أبي شيخ كبير قد أدركته فريضة اللَّه في الحج). وقد جاء التصريح بأنها كانت جارية (٢) في الرواية التي أخرجها أحمد والترمذي والبيهقي


(١) الجارية مصطلح يطلق على الأمة ـ المرأة المملوكة ـ كما في التوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (١/ ٢٤٠): والجارية السفينة سميت به لجريها في البحر ومنه قيل للأمة جارية على التشبيه لجريها مسخرة في أشغال مواليها والأصل فيها الشابة لخفتها ثم توسعوا فسموا كل أمة جارية وإن كانت عجوزا لا تقدر على السعي تسمية بما كانت عليه. أهـ
(٢) وإن قيل لعل المراد في هذا الحديث بقوله (جارية) أنها كانت شابة؛ فهذا يبعده أنه جاء في رواية أحمد والترمذي والبيهقي وصفها بأنها "جارية شابة من خثعم" كما عند ابن عبد البر: "فاستقبلته جارية من خثعم شابة"، وإن قيل لعل المراد أنها كانت صغيرة السن! فنقول إن هذا مع ضعفه لأنه يستبعد أن تأتي فتاة صغيرة تستفتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أن تحج عن والدها، فإنه علاوة على ذلك يبطل الاحتجاج به على جواز كشف المرأة البالغة، ومع ذلك فإنه جاء التصريح في بعض الروايات بأنها كانت (امرأة) كما عند البخاري ومسلم، وبذلك يثبت أن مرادهم بوصفها أنها جارية: أنها كانت أمة مملوكة.

<<  <   >  >>