٢ - صرحت عائشة رضي الله عنها بموافقة الله تعالى لعمر - رضي الله عنه - فيما كان يطلبه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - من حجب نسائه بستر وجوههن عند الخروج، لأنه سبق أن ضرب عليهن الحجاب في البيوت بعدم الدخول عليهن ومخاطبتهن إلا من وراءحجاب، وكان ذلك أيضا من جملة ما أراده عمر - رضي الله عنه - فكان يقول "يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن فإنه يكلمهن البر والفاجر" صحيح البخاري ١/ ١٥٧ (٣٩٣). فنزلت آية الحجاب {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} الأحزاب: ٥٣ صبيحة زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بزينب رضي الله عنها، ولكنه لم يتم مقصود عمر - رضي الله عنه - بحجب زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - بستر وجوههن بالأردية عند الخروج، ولذلك لما كن يخرجن ليلا لقضاء حاجتهن من البراز؛ ورأى عمر سودة فقال لها ما قال حرصا منه على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله آية الحجاب {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} الأحزاب: ٥٩ ولذلك كان عمر يعد نزول الحجاب من موافقاته فكان يقول " وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم وفي الحجاب وفي أُسارى بدر" متفق عليه، ولو كان مراد عمر هو منعهن من الخروج لما عد نزول الحجاب من موافقاته إذ إنه لم يوافق على منعهن من الخروج! ولا يُتصور أن عمر يريد بقوله (احجبهن) منعهن من الخروج لقضاء حاجتهن وهو يعلم أنه لا طريق لهن لقضاء حاجتهن من البراز إلا بالخروج إلى المناصع! ومن قال بأن عمر - رضي الله عنه - أراد منعهن من الخروج فإنما هو بسبب أنه توهم أن نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعن بتغطية وجوههن بالجلابيب إثر نزول آية الحجاب الأولى {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} والصحيح أنهن إنما شرعن بإرخاء الستر بينهن وبين الرجال في البيوت إثر هذه الآية، ولم يكن يخرجن إلا لقضاء حاجتهن من البراز ليلا كما قالت عائشة رضي الله عنها (وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل) صحيح البخاري ٤/ ١٧٧٥ (٤٤٧٣). فكن يستترن بظلمة الليل إلى أن نزلت آية إدناء الجلابيب إثر قصة سودة فاستترن بها. وفي هذا استدراك لما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (٨/ ٥٣١) واستشهد به الشيخ الألباني في كتابه جلباب المرأة حاشية ص/ ١٠٦: قال الحافظ رحمه الله في شرحه للحديث المذكور: "إن عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام احجب نساءك وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب ثم قصد بعد ذلك ألا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات فبالغ في ذلك فمنع منه وأذن لهن في الخروج لحاجتهن دفعا للمشقة ورفعا للحرج". وقد تبين لك مما سبق الخطأ في ذلك وهو أن الحافظ ابن حجر ممن توهم أن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - شرعن بتغطية وجوههن بالجلابيب إثر نزول آية الحجاب الأولى {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} فظن أن عمر - رضي الله عنه - أراد بعد ذلك ألا يبدين أشخاصهن أصلا ولو كن مستترات، وهذا لم يكن كما بينّاه آنفا.