للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقام أعرابي وقد حضرت الصلاة فقال: حي على العمل الصالح، قد قامت بالفلاح. ثم تقدم فكبر. وقال: اللهم احفظ لي حسبي ونسبي، واردد علي ضالتي، واحفظ هملي، والسلام عليكم.

وصلت أعرابية في شهر رمضان فقرأ الإمام السجدة فسجد وسجدت الناس؛ فخرجت تحضر وتنادي، صعق الناس ورب الكعبة، وقامت القيامة! وقام أعرابي يصلي وحلفه قوم جلوس، فقال: الله أكبر! أفلح من هب إلى صلاته، وأخرج الواجب من زكاته، وأطعم المسكين من نخلاته، وحافظ على بعيره وشاته؛ فضحك القوم. فقال: أمن هينمتي ضحكتم؟ أشهد عند الله على عمتي أنها سمعت ذلك من فيّ مسيلمة.

وقف أعرابي يسأل فقال له رجل: يا أعرابي؛ هل لك في خير مما تطلب؟ قال: ما هو؟ قال: أعلمك سورة من القرآن. فقال: لا والله؛ إني لأحسن ما إن عملت به لكفاني!؟ أحسن منه خمس سور، فاستقرأته فقرأ: الحمد، والنصر، والكوثر وسكت. فقلت: هذه ثلاث، فأين الاثنتان؟ قال: إني وهبتهما لابن عمي وعلمته إياهما، ولا والله لا أرجع في شيء أبداً.

دخل أعرابي الحمام فلما أحس بوهجه أنشأ يقول:

أُدخلت في بيت لهم مهندس ... قد ضربوه بالرخام الأملس

فسكّ سمعي واستطار نفسي ... وقلت في نفسي بالتوسوس

أدخلت في النار ولما أُرمس

[لأعرابي في الطلاء بالنورة]

وقال أعرابي في الطلاء بالنورة:

أناسٌ عليهم كسوة لا تجنّهم ... سرابيل خضر ليس فيها بنائق

يبيعهموها تاجرٌ لا يقيلهم ... ببيعهم تلك السرابيل حاذق

[ولكشاجم في ذلك]

وقال أبو الفتح كشاجم:

ومجرّد كالسيف أسلم نفسه ... بمجرد يكسوه ما لا ينسج

ثوباً تمزّقه الأنامل رقةً ... ويذوب من نظر العيون وينهج

فكأنه لما استقلّ بجسمه ... نصفان ذا عاجٌ وذا فيروزج

[ومن نوادر الأعراب]

وهب سليمان بن أبي جعفر لأعرابي كساء شامية؛ فلما أتى أهله وأبصره صبيانه تطايروا فزعاً من بين يديه، وقالوا: لقد أصابت أبانا داهية، فأنشد:

طرحت عمامتي ولبست تاجاً ... على عنقي له ذنبٌ طويل

تصايح صبيتي لمّا رأوه ... وقالوا جاء سعلاةٌ وغول

قيل لأعرابي: أتعرف أبا عمرة يريد الجوع؟ قال: وكيف لا أعرفه وهو متربع على كبدي؟ وقيل لآخر: أتتخمون؟ قال: وما التخمة؟ إن كانت التي يدور منها الرأس فما تفارقنا يريد الجوع.

ومر أعرابي بمرآة ملقاة في مزبلة، فنظر وجهه فيها، فإذا هو سمج بغيض، فرمى بها وقال: ما طرحك أهلك من خير.

ونظر مزيد وجهه في المرآة فرآه قبيحاً. فقال: الحمد لله الذي لم يحمد على المكروه سواه.

والشيء يذكر بما قاربه.

[من هجاء الحطيئة]

رأى الحطيئة وجهه في بئر فقال:

أرى لي وجهاً قبّح الّله خلقه ... فقبّح من وجهٍ وقبّح حامله

ولهذا خبر؛ ذكرت الرواة: أن الزبرقان بن بدر استعدى على الحطيئة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: هجاني بقوله:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها ... واقعد فإنّك أنت الطاعم الكاسي

فقال عمر: ما أرى هذا هجاءً؛ وكان أعلم بذلك من كل أحد، ولكنه أراد درء الحدود بالشبهات. فقال الزبرقان: هذا حسان بن ثابت. فقال: علي بحسان، فأنشده الشعر. فقال: ما هجاه يا أمير المؤمنين ولكن سلح عليه! فأحضر الحطيئة، وقال: هات الشفرة أقطع لسانه؟ فاستشفع فيه فحبسه، فكتب إليه من الحبس:

ماذا تقول لأفراخٍ بذي مرخ ... زغب الحواصل لا ماءٌ ولا شجر

غادرت كاسبهم في قعر مظلمةٍ ... فاغفر هداك مليك الناس يا عمر

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ... ألقت إليك مقاليد النهى البشر

لم يؤثروك بها إذ قدّموك لها ... لكن لأنفسهم كانت لها الأُثر

فبكى عمر وأحضره. فقال: قد والله يا أمير المؤمنين هجوت أبي وامرأتي وأمي. قال: وكيف ذلك؟ قال قلت لأبي:

ولقد رأيتك في المنام فسؤتني ... وأبا بنيك فساءني في المجلس

وقلت لأمي:

تنحّي فاجلسي مني بعيداً ... أراح الله منك العالمينا

أغربالاً إذا استودعت سرّاً ... وكانوناً على المتحدّثينا

<<  <   >  >>