للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ودخل أبو العيناء على المتوكل؛ فقال: أي شيء تحسن؟ قال: أفهم وأفهم، وآخذ من المجلس ما حوى، مرة أغلب ومرة أغلب. قال: كيف شربك للنبيذ؟ قال: أعجز عن قليله وافتضح عند كثيره. قال: فما تقول في بلدك البصرة؟ قال: ماؤها أجاج، وحرها عذاب، وتطيب في الوقت الذي تطيب فيه جهنم. قال: ارفع حوائجك إلينا. قال: قد رفعتها إلى الله، فما أحب نجاحه فليس ينفعني شرحه. قال: نحب أن تلزم مجلسنا. قال: يا أمير المؤمنين، إن أجهل الناس من يجهل نفسه؛ أنا امرؤ محجوب والمحجوب تختلف إشارته، وقد يجوز قصده، فيصغي إلى غير من يحدثه، ويقبل بحديثه على غير من يسمع منه، وجائز أن يتكلم بكلام غير راض، ومتى لم أفرق بين هذين هلكت. وأخرى: كل من في مجلسك يخدمك، وأنا أحتاج أن أخدم، ولم أقل هذا جهلاً مني بما في هذا المجلس من الفائدة، ولكني اخترت العافية على التعرض للبلاء. قال الفتح بن خاقان: يا أمير المؤمنين، هذا رجل عاقل عارف بنفسه وبحق الملوك. قال: فيلزمنا في كل الأوقات لزوم الفرض الواجب.

وبلغ أبا العيناء أن المتوكل قال: لولا أن أبا العيناء ضرير لنادمناه. فقال: إن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة وقراءة نقش الفصوص فأنا أصلح للمنادمة. وإنما هذا تولع منه بلسانه؛ واقتدار على الكلام، وإلا فقد تعافى من ذلك المقام.

ودخل على إبراهيم بن المدبر وعنده الفضل اليزيدي معلم ولده وإبراهيم جالس. فقال للمعلم: في باب هذا؟ قال في باب الفاعل والمفعول به. فقال: هذا بابي وباب الوالدة أعزها الله. فغضب اليزيدي ونهض.

أخذه البحتري فقال لإبراهيم بن المدبر:

أي شيءٍ ألهاك عن سرّ من را ... ء وظلّ للعيش فيها ظليل

إقتصار على أحاديث فضل ... وهو مستكرهٌ كثير الفضول

لم تكن نهزة الوضيع ولا رو ... حك كانت لفقاً لروح الثقيل

فعلام اصطنعت منكسف البا ... ل معار الحذاق نزر القبول

إن ترده تجده أخلق من شي ... ب الغواني ومن تعفّي الطلول

مسرجاً ملجماً وما متّع الصب ... ح إدلاجاً للجسّ والتطفيل

غير أنّ المعلمين على حال م ... قليلي التمييز ضعفي العقول

فإذا ما تذكّر الناس معنى ... من مبين الأشعار أو مجهول

قال هذا لنا ونحن كشفنا ... غيبه للسؤال والمسؤول

ضرب الأصمعي فيهم أم الأح ... مر أم لحقوا ... الخليل

أبداً شأنه التردّد في الفا ... عل من والديه والمفعول

[ظريف مملق]

قال الصولي: كان بالبصرة رجل مهلبي ظريف مملق، وكان له إخوان فقالوا له: ألا تدعوننا؟ فقال لهم: ألا تدعونني؟ فألحوا عليه فارتهن قطيفةً له على دراهم، فاشترى لهم ما يصلحهم، ودعا مغنيةً فكان اقتراحهم عليها:

ليت الذين تحمّلوا أحنوا ... أمّا أنا فأضرّ بي الحزن

فقال المهلبي: أما هذا الذي تقولونه فما أدري ما هو؟ أما أنا فقطيفتي رهن؛ فضحكوا وغرموا له ما أنفق.

ودعا رجل قوماً، فما كان مع المغرب أراد انصرافهم، وأرادوا المقام عده، فاقتضوه في السراج. فقال لهم: أما سمعتم قول الله تعالى: " وإذا أظلم عليهم قاموا ".

[من نوادر المتنبئين]

وادعى رجل النبوة في أيام المأمون، فأحضره المأمون وقال له: ما دليل نبوتك؟ قال: أن أعلم ما انعقد عليه ضميرك. فقال: ما هو؟ قال: في نفسك أصلحك الله أني كاذب؛ فضحك منه وتركه.

وأتي المعتصم برجل ادعى النبوة. فقال: ما آيتك؟ قال: آية موسى. قال: فألق عصاك تكن ثعباناً مبيناً؟ قال: حتى تقول: أنا ربكم الأعلى.

وادعى آخر النبوة بالكوفة، فأدخل على واليها. فقال: ما صناعتك؟ قال: حائك، قال: نبي حائك؟! قال: فأردت نبياً صيرفياً؟ الله يعلم حيث يجعل رسالته.

[ومن نوادر الفقهاء والمغفلين والمرائين وغيرهم]

وسأل رجل بعض الفقهاء عن القبلة للصائم في رمضان؟ فقال: تكره للشاب ويرخص فيها للشيخ. قال: إنها في معشوقة؟ قال: يابن أخي، هذا يكره في شوال.

قيل لمغفل: قد غلا الدقيق. فقال: وما أبالي؛ إني أشتري الخبز من السوق.

<<  <   >  >>