للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس يعطيك للرجاء ولا الخو ... ف ولكن يلذّ طعم العطاء

يسقط الطير حيث يلتقط الح ... بّ وتغشى منازل الكرماء

وكان بشار سجاعاً خطيباً صاحب منثور ومزدوج ورجز ورسائل مختارة على كثير من الكلام.

ودخل على عقبة بن سلم وعنده عقبة بن رؤبة بن العجاج فأنشده أرجوزة، ثم أقبل على بشار، فقال: هذا طراز لا تحسنه يا أبا معاذ. فقال: والله لأنا أرجز منك ومن أبيك ومن جدك. ثم غدا على عقبة من الغد فأنشده أرجوزة أولها:

يا طلل الحيّ بذات الصّمد ... بالله خبّر كيف كنت بعدي

بدت بخدٍّ وجلت عن خدّ ... ثم انثنت كالنّفس المرتدّ

وصاحب كالدمّل الممدّ ... حملته في رقعةٍ من جلدي

حتى اغتدى غير فقيد الفقد ... وما درى ما رغبتي وزهدي

الحرّ يلحى والعصا للعبد ... وليس للملحف مثل الردّ

يقول فيها:

اسلم وحيّيت أبا الملدّ ... والبس طرازاً غير مستردّ

لله أيامك في معدّ

وهي طويلة. فأجزل صلته؛ فلما سمع ابن رؤبة ما فيها من الغريب قال: أنا وأبي وجدي فتحنا الغريب، وإني لخيلق أن أسده عليهم! فقال بشار: ارحمهم رحمك الله! قال: أتستخف بي وأنا شاعر ابن شاعر ابن شاعر؟ قال: فإذاً أنت من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

[من نوادر جامع بن وهب]

كان جامع بن وهب الصيدلاني من أكبر الناس دنيا، وأعظمهم غفلة، اشترى مرة ثلجاً كثيراً، فقيل له: إنه كثر. فقال: أريد أن أمصه وأرمي بثفله.

وأعطي ببغل له ثمناً خسيساً، فقال: ما للعقار ببغداد قيمة! ودخل بستاناً له؛ فقال لوكيله: اغرس لي بصلاً بخل؛ فإنه نافع للصفراء.

وكتب إليه بعض الكتاب كتاباً، فأجابه عنه، وعنوانه: من ذاك الذي كتب إلي.

وعثرت به البغلة؛ فقال لغلامه: انظر هل سال من أصبعها دم؟ وكتب إلى ابنه وقد خرج من مكة: يا ولدي، إن قدرت أن تضحي عندنا فافعل، لنفرح بك في العيد! وسقطت ابنته في البئر، فقال: يا بنية، لا تبرحي من مكانك حتى أجيء بمن يخرجك منها!

[من نوادر المغفلين]

وتبخر مغفل في ثياب نفيسة فاحترقت، فحلف بالطلاق لا يتبخر بعدها إلا عريان.

وأتى آخر ليكسر لوزة؛ فزلقت عن الحجر. فقال: كل شيء يفر من الموت حتى البهائم أيضاً.

[واعظ فيه غفلة]

وكان بمصر واعظ يقال له أبو عبد الله الخواص، من أشد الناس غفلةً؛ وقف به رجل من العامة يقال له محمد القمقاني الخباز، فقال له: أصلحك الله، لي نفس معلولة لا تجيب إلى شيء من الخير؛ فما يصلحها لي؟ قال: اقرأ القرآن وأكثر منه. قال: ما أحفظ غير الحمد، وقل هو الله أحد، وقد قرأتهما مرات كثيرة، ونفسي بحالها. قال: فاذكر الموت. قال: لك الله! قد فعلت فما خشعت، ولا جاء منها شيء. قال: فأكثر حضور مجالس الذكر. قال: من أين أجد؟ وقد تركت شغلي ولزمت المجالس، ونفسي كما هي. قال: لعن الله نفسك فإنها مشؤومة ملعونة كما قلت؛ والرأي أن تمضي بها إلى جرمان بن مطهر صاحب الشرطة يؤدبها لعله يجيء منها بشيء.

[خليفة بيطار]

كان هشام بن عبد الملك أحول قبيح المنظر، فعرضت عليه خيل الجند، فعرض رجل من أهل حمص فرساً نفوراً. فقال له هشام: ما هذا؟ قال: أصلحك الله هو فاره، ولكنه ظن أنك حيزون البيطار. فقال: اعزب في لعنة الله.

[تغفل أهل حمص]

أصاب حمصي جملاً؛ فقيل له: عرفه! قال: أبيعه وأعرف ثمنه.

قل علي بن عيسى الوزير: كان يبلغني عن أهل حمص تغفل فأظن أكثره تشنيعاً، حتى دخلتها؛ فإذا برجل بين يدي حجام وقد مص عنقه بمحجمتين لم أر أكبر منهما، وهو يشرط في وسط عنقه؛ فلما رآني أقبلت في موكب قال: من هذا؟ فقال الحجام: هذا الوزير علي بن عيسى؛ فقام، والمحجمة في عنقه والدم يسيل على كتفيه وظهره، وقال: السلام عليك؛ إيش كان خبرك أيها الوزير؟ قلت: خيراً، وانصرف؛ فحلفت ألا أدخل حمص ونزلت بظاهرها حتى أنجزت ما أتيت فيه.

بيع قرد

<<  <   >  >>