للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن نكبةٍ لاقيتها بعد نكبةٍ ... رهبت اعتساف الأرض ذات المناكب

وصبري على الإقتار أيسر محملاً ... عليّ من التغرير بعد التجارب

لقيت من البرّ التباريح بعدما ... لقيت من البحر ابيضاض الذوائب

سقيت على ريٍّ به ألف مطرةٍ ... شغفت لبغضيها بحبّ المجادب

ولم أسقها بل ساقها لمكيدتي ... تحامق دهرٍ جدّ بي كالملاعب

أبي أن يغيث الأرض حتى إذا ارتمت ... برحلي أتاها بالغيوث السواكب

سقى الأرض من أجلي فأضحت مزلّة ... تمايل صاحبها تمايل شارب

فملت إلى خانٍ مرثٍّ بناؤه ... مميل غريق الثوب لهفان لاغب

فما زلت في خوف وجوع ووحشة ... وفي سهرٍ يستغرق الليل واصب

يؤرّقني سقفٌ كأني تحته ... من الوكف تحت المدجنات الهواضب

تراه إذا ما الطين أثقل متنه ... تصرّ نواحيه صرير الجنادب

وكم خان سفرٍ خان فانقضّ فوقهم ... كما انقضّ صقر الدجن فوق الأرانب

وما زال ضاحي البرّ يضرب أهله ... بسوطي عذابٍ جامدٍ بعد ذائب

ألا ربّ نارٍ بالفضاء اصطليتها ... من الضّحّ يودي لفحها بالحواجب

فدع عنك ذكر البرّ، إنّي رأيته ... لمن خاف هول البحر شرّ المهاوب

وما زال يبغيني الحتوف موارباً ... يحوم على قتلي وغير موارب

فطوراً يغاديني بلصّ مصلّت ... وطوراً يمسّيني بورد المشارب

وأما بلاء البحر عندي فإنه ... طواني على روع مع الرّوح واقب

ولو ثاب عقلي لم أدع ذكر بعضه ... ولكنّه من هوله غير ثائب

ولم لا ولو أُلقيت فيه وصخرةً ... لوافيت منه القعر أول راسب

ولم أتعلّم قطّ من ذي سباحةٍ ... سوى الغوص، والمضعوف غير مغالب

فأيسر إشفاقي من الماء أنني ... أمرّ به في الكوز مرّ المجانب

وأخشى الرّدى منه على نفس شاربٍ ... فكيف بأمنيه على نفس راكب

أظلّ إذا هزّته ريحٌ ولألأت ... له الشمس أمواجاً طوال الغوارب

كأني أرى فيهنّ فرسان بهمة ... يليحون نحوي بالسيوف القواضب

فإن قلت لي قد يركب اليمّ طامياً ... ودجلة عند اليمّ بعض المذانب

لدجلة خبٌّ ليس لليمّ، إنها ... ترائي بحلم تحته جهل واثب

وللبحر إنذار بعرض متونه ... وما فيه من آذيّه المتراكب

[من الطرائف]

قيل لقينة: صوم يوم عرفة كفارة ذنوب سنة؛ فصامت إلى الظهر وأفطرت. فقيل لها: ما هذا؟ قالت: يكفيني ستة أشهر.

قعد رجل على باب داره، فأتاه سائل يسأله. فقال له: اجلس، ثم صاح بجارية عند فقال: ادفعي إلى هذا مكوكاً من حنطة. قالت: ما بقي عندنا حنطة. قال: فأعطيه درهماً. قالت: ما بقي عندنا دراهم. قال: فأطعميه رغيفاً. قالت: وما عندنا رغيف، فالتفت إليه وقال: انصرف يابن الفاعلة. فقال السائل: سبحان الله تحرمني وتشتمني! قال: أحببت أن تنصرف وأنت مأجور.

ورأى أعرابي الناس بمكة وكل واحد يتصدق ويعتق ما أمكنه. فقال: يا رب، أنت تعلم أنه لا مال لي، وأشهدك أن امرأتي طالق لوجهك يا أرحم الراحمين! وكان في زمن المهدي رجل ادعى النبوة فأحضروه إلى المهدي. فقال له: ما أنت؟ قال: نبي. قال: إلى من بعثت؟ فقال له: ما أكثر فضولك! إيش عليك؟ قال: قل، وإلا أمرت بقتلك. قال: بعثت إلى أهل خراسان. قال: ولم لم تسافر إليهم؟ قال: ما معي نفقة، فضحك منه وأمر له بنفقة، وقال: هذا قد غلبت عليه المرة.

وجاء رجل إلى أبي ضمضم يستعدي على رجل في دابة اشتراها منه، وظهر بها عيب. فقال له أبو ضمضم: وما عيبها؟ قال: في أصل ذنبها مثل الرمانة، وفي ظهرها مثل التفاحة، وفي عجيزتها مثل الجوزة، وفي بطنها مثل الموزة، وفي حلقها مثل الأترنجة. فقال له أبو ضمضم: مر عنا يا بارد، هذه صفة بستان ليست بصفة دابة.

<<  <   >  >>