للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بعثنا بها تسمو العيون وراءها ... إليك وما يخشى عليها كلالها

وغنّى مغنّينا بصوتٍ فشاقني ... متى راجعٌ من أُمّ عمرو خيالها

أحب لكم قيس بن عيلان كلها ... ويعجبني فرسانها ورجالها

وما لي لا أهوى بقاء قبيلةٍ ... أبوك لها بدرٌ وأنت هلالها

[من مليح شعر الجماز]

وللجماز مقطعات ملاح، في ضروب الهجاء والامتداح، منها قوله في خصي كان يكايده على قينة؛ يسمى رباح:

ما للخصيّ رباح ... وللغواني الملاح

أليس زانٍ خصيٌّ ... غازٍ بغير سلاح

وفي مثله يقول ابن الرومي:

معشرٌ أشبهوا القرود ولكن ... خالفوها في خفّة الأرواح

نمشة فوق صفرة فتراه ... كونيم الذباب في اللّفّاح

قال الجاحظ: في الخصي عشرة أحوال متضادة: لم يخرج من ظهره مؤمن، ولا خرج من ظهر مؤمن، وهو أكثر الناس غيرة، وأشدهم قيادة، وهو أضعف الناس معدة، وأشرههم على طعام، وهو أسوأ الناس أدباً، وهو يعلم الأدب، وهو أغزر الناس دمعة، وأقساهم قلباً، وما خلا قط مع امرأة إلا حدثته نفسه أنه رجل، ولا خلا مع رجل إلا حدثته نفسه أنه امرأة.

وقال الجماز لبعض المسجديين:

تركت المسجد الجامع ... والتّرك له ريبه

فلا نافلة تأتي ... ولا تشهد مكتوبه

وأخبارك تأتينا ... على الأعلام منصوبه

فإن زدت من الغيب ... زدناك من الغيبه

ومثله قول أبي القاسم إسماعيل بن عباد، في مغن يعرف بابن عذاب:

أقول قولاً بلا احتشام ... يقبله كل من يعيه

ابن عذابٍ إذا تغنّى ... فإنني منه في أبيه

وقال الجماز في المتوكل:

قالوا امتدحت الإمام قلت لهم ... أخاف ألا أحدّه بصفه

وكيف يعطي على المدائح من ... كان أبو السّمط عنده طرفه

كأنّ إنشادنا مدائحه ... أنصاف كتب ليست بمؤتلفه

أخذه من قول أبي تمام:

أذكت عليك شهاب نارٍ في الحشا ... بالعذل وهناً أخت آل شهاب

عذلاً شبيهاً بالجنون كأنّما ... قرأت به الورهاء نصف كتاب

[بين علي بن الجهم وأبي السمط]

وكان أبو السمط بن أبي حفصة أثيراً عند المتوكل؛ وكان علي بن الجهم يقع فيه لمنزلته عند المتوكل وحسده له؛ فأغرى بينهما يوماً فقال لحمدون النديم: أيهما أشعر؟ فقال: يا أمير المؤمنين؛ طرحتني بين لحيي أسدين. قال: لتقولن. قال: أعرقهما بالشعر أشعرهما. فقال المتوكل: يا علي، قد حكم حمدون عليك. قال: علم رأيك فيه فساعدك. فقال المتوكل: تهاجيا. فقال علي: قد كظني الشراب، فإذا أفقت قلت؛ فقال أبو السمط بديهاً:

إنّ ابن جهمٍ في المغيب يسبّني ... ويقول لي حسناً إذا لاقاني

إنّ ابن جهمٍ ليس يرحم أمّه ... لو كان يرحمها لما عاداني

فضحك المتوكل، وانخذل ابن الجهم؛ فقال أبو السمط:

لعمرك ما جهم بن بدرٍ بشاعرٍ ... وهذا عليٌّ بعده يصنع الشّعرا

ولكن أبي قد كان جراً لإمّه ... فلما تعاطى الشعر أمرا

ولما أفاق عليّ بن الجهم من سكره قال:

بلاءٌ ليس يشبهه بلاء ... عداوة غير ذي حسبٍ ودين

يبيحك منه عرضاً لم يصنه ... ويرتع منك في عرضٍ مصون

[العجم والشعر]

ودخل الضبي على عبد الله بن طاهر، فأنشد شعراً حسناً وبحضرته أعرابي؛ فقال الأعرابي: ممن تكون؟ قال: من العجم. قال: وما للعجم والشعر وإنما الشعر للعرب، وكل من قاله من العجم فإنما نزا على أمه أعرابي. فقال: وكذلك من لا يقول الشعر منكم، فإنما نزا على أمه أعجمي إذاً؟ فأفحمه.

[من شعر الجماز]

ودخل الجماز على بعض ولاة البصرة فأنشده:

أثكلتني البرّ وعنّيتني ... ما كان هذا أملي فيكا

لا تتفنّي بعد ما رشتني ... فإنني بعض أياديكا

فضحك، ثم قال: ثم ماذا؟ فقال: ثوب سمرقندي هو، أنشدك إياه مزارعة.

<<  <   >  >>