للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودخل أبو بكر سيبويه المصري نافلة البصرة على كافور الإخشيدي وعنده بعض ندمائه. فقال: أيها الاستاذ، دعني أهاتره. فقال: إنك لا تطيقه. قال: لا بد من ذلك. قال: شأنك. قال: يا أبا بكر، ما حد الرأس؟ قال: ما أحاط به جربانك، وأدبك عليه سلطانك، ولاعبك فيه إخوانك. فخجل الرجل، وضحك كل من حضر.

وكان سيبويه هذا يشبه بأبي العيناء في سرعة جوابه، وجودة بديهته، وكثرة روايته. وكان الناس يتبعونه ويكتبون ما يقول، وكان قد شرب البلاذر فعرضت له حدة مفرطة.

وأحضره أبو بكر محمد بن الخازن، فقال: بلغي بلاء لسانك، وكثرة أذاك للناس، وقبيح معاملتك للأشراف؛ فاحذر أن تعود؛ فينالك مني أشد العقوبة، وصال عليه بالكلام.

وكان الصبيان يتولعون به إذا مر ويصيحون: يا خازن! يا خازن! اخرج عليه فيغضب؛ فقال له ذلك يوماً صبي وأبو بكر المعيطي حاضر فضحك المعيطي؛ فقال للصبي: ضرب الله عنق الخازن كما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنق عقبة بن أبي معيط يوم يدر على الكفر، وضرب ظهر أبيك بالسوط كما ضرب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ظهر الوليد بن عقبة على شرب الخمر، وألحقك يا صبي بالصبية. فقام المعيطي كأنما نشر من قبر.

يريد بقوله للصبي: وألحقك بالصبية قول النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن أبي معيط وقد قال له: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار والعياذ بالله منها.

[سيبويه يريد دخول الحمام]

دخل مفلح الحسني الحمام وكان من جملة أصحاب الحسن بن عبد الله بن طغج بن جف الفرغاني، وإليه ينسب، فأتى سيبويه ليدخل فقيل له: الأمير مفلح أخلاه فاصبر ساعة. فقال: أومثلي يمنع الدخول؟ لا أنقى الله مغسوله، ولا بلغه سوله، ولا وقاه من العذاب مهوله. وجلس حتى خرج. فقال له: إن الحمام لا يخلى إلا لأحد ثلاثة: مبتلى في قله، أو مبتلى في دبره، أو سلطان يخاف من شره، فأي الثلاثة أنت؟ قال: أنا المغروم أعزك الله.

[مجاورة]

وهذا كجواب أشمول الإخشيدي، وكانت له دار مشرفة على النيل يتنزه إليها في زمان المد وطيب الهواء، وكان يجاوره العباس بن البصري في راقوبة له، فاحتسبت في تلك الدور، وقيل لكافور: إنها مبنية في فناء النيل فأمر بهدمها، فدخل ابن البصري على كافور فأنشده:

يأيها الأستاذ يا ذا الّذي ... همّته أعلى من الكوكب

انظر إليّ وإلى فاقتي ... وارث لضعفي ولما حلّ بي

فإنّ لي بالشطّ راقوبةً ... أضيق من قارورة المحلب

صغيرةً ضيقةً عرضها ... عرض سرير جاء في مركب

كأنها رجلٌ سماريّةٌ ... أخرجها ... أو زيزب

لو رأيت الزنج في شطّنا ... وقد أحاطوا بأبي تغلب

عمّة ذا حمراء مصقولةٌ ... وفاس ذا معتدل المحرب

في يد ذا حلب هائلٌ ... يا ربّ سلّمني من المحلب

إن أخذتني ضربةٌ منهم ... رأيتني أرقص كالأحدب

قد أحدق الصّفع بجيراننا ... بالشطّ بالأقرب فالأقرب

وإن تماديت وخلّيتني ... خشيت أن أدخل في اللولب

فضحك كافور، والتفت إلى أشمول: وقال: أنت بجواره؟ قال: أنا ما لي دار أعز الله الأستاذ قد سلمت.

[تيه وكبر]

وكان أبو الفضل بن حنزابة ربما رفع أنفه تيهاً؛ فقال له وقد رآه فعل ذلك: أشم الوزير أيده الله رائحة كريهةً فشمر أنفه؟ فخجل فأطرق.

واستعمل أبو بكر النهوض فلقيه رجل فقال: من أين يا أبا بكر؟ فقال: من عند الزاهي بنفسه المدل بعرسه، التائه على أبناء جنسه. وكانت بنت الإخشيد تحته، فلذلك قال: المدل بعرسه.

وأتى مسلم بن عبد الله الحسيني وهو من أهل الحجاز وأوطن مصر فحجب عنه. فقال: قولوا له يرجع إلى لبس العبا، ومص النوى، وسكنى الفلا، فهو أشبه به من نعيم الدنيا.

[دار شؤم]

وكانت دار أبي جعفر أحمد بن نصر التاجر المغربي بمصر معروفة بالشؤم من قبل أبي جعفر، فكان أبو بكر يمر بها فيقول: يا سيدتي تعودين إلى عادتك الجميلة. وأخباره كثيرة.

من نوادر المخنثين

<<  <   >  >>